للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصحابة بغضاضة أو حرج، لأنَّ هدفهم واحد، وهو تطبي الشريعة، وما كان الصحابة يُكَذِّبُ بعضهم بعضاً. إلاَّ أنَّ من جاء بعدهم من أهل الأهواء استغلوا ما دار بين الصحابة من النقاش العلميِّ، أو التثبت في الحديث، وجعلوا منه مادة طيبة ينفذون من خلالها إلى مآربهم، ويحقِّقُون غاياتهم. ولكنهم لم يفلحوا، لأنَّ الأمَّة لم تعدم العلماء المخلصين، والساهرين النابهين، الذي بَيَّنُوا الحق من الباطل، ووضعوا كل شيء في موضعه.

ومِمَّا أخذه النظَّام على أبي هريرة حديث: «مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا، فَلاَ صِيَامَ لَهُ» (١) وإليكم الحديث كما رواه مسلم قال:

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ (٢)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَقُصُّ (و) يَقُولُ فِي قَصَصِهِ: «مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فَلاَ يَصُمْ». قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ (فَذَكَرَهُ) (٣) - لأَبِيهِ - فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فَسَأَلَهُمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَكِلْتَاهُمَا قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ، ثُمَّ يَصُومُ» قَالَ: فَانْطَلَقْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى مَرْوَانَ (٤)، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ مَرْوَانُ: عَزَمْتُ عَلَيْكَ إِلاَّ مَا ذَهَبْتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَرَدَدْتَ عَلَيْهِ مَا يَقُولُ: قَالَ: فَجِئْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ حَاضِرُ ذَلِكَ كُلِّهِ، قَالَ: فَذَكَرَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَهُمَا قَالَتَاهُ لَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هُمَا أَعْلَمُ، ثُمَّ رَدَّ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ إِلَى الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنَ الْفَضْلِ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،


(١) " تأويل مختلف الحديث ": ص ٢٨ وقد استشهد به عَبْدُ الحُسَيْن شرف الدين في كتابه " أبو هريرة ": ص ٢٧٥ واستشهد بذلك أَبُو رِيَّة في كتابه " أضواء على السُنَّة المحمدية ": ص ١٦٥ و ١٧٦.
(٢) " صحيح مسلم بشرح النووي ": ص ٢٢٠، جـ ٧ وأبو بكر هو ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
(٣) في " صحيح مسلم " لم يذكر (فذكره) أثبتها من كتاب " الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة " وهو أسلم للسياق، انظر صفحة: ١٢٤ من المرجع المذكور.
(٤) يتبيَّنُ من عودتهم إلى مروان بن الحكم أنَّ ذلك كان في إمارته على المدينة.

<<  <   >  >>