للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالَ: فَرَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَمَّا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ. قُلْتُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ: أَقَالَتَا: فِي رَمَضَانَ؟ قَالَ: كَذَلِكَ كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ ثُمَّ يَصُومُ.

فهل هذا ينتقص من عدالة أبي هريرة؟ إنَّ عائشة وأم سلمة لم تقولا فيه شيئاً بل رَوَتَافعل رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصومه.

ثم إنَّ أبا هريرة عندما بَلَّغُوهُ قول عائشة وأم سلمة، تأكد منهم «أَهُمَا قَالَتَاهُ لَكَ؟»، لم يتأخَّر عن أن يقول: «هُمَا أَعْلَمُ» ويُبَيِّنُ لهم مِمَّنْ سمع ذلك. فأبو هريرة أمين في ذلك كله، إنه لم يُصَّرِّحْ في حديثه قط أنه سمع (١) ذلك من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بل كان يقص على الناس ويفتيهم، ومع هذا فإنَّ لقول أبي هريرة وجهات يمكن أنْ أبيِّنها.

أولاً: أنْ يكون قوله محمولاً على النسخ، وذلك أنَّ الجماع كان في أول الإسلام محرماً على الصائم في الليل بعد النوم كالطعام والشراب، فلما أباح الله الجماع إلى طلوع الفجر جاز للجنب إذا أصبح قبل أنْ يغتسل أنْ يصوم ذلك اليوم، لارتفاع الحظر، وكان أبو هريرة يفتي بما سمعه من الفضل على الأمر الأول، ولم يعلم بالنسخ، فلما سمع من عائشة وأم سلمة صار إليه (٢).

ثانياً: أنْ يكون حديث أبي هريرة هذا خاصاً بمن تجنَّب من الجماع


(١) لقد روى هذا الحديث وما في معناه من طرق أخرى عنه، مرفوعاً إلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم يذكر فيها أنه سمعه من الفضل، وكلها بمعنى («مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فَلاَ يَصُمْ».
فتحتمل تلك الرويات على أنها لا صوم كامل لمن أدركه الفجر وهو جنب، أو أنه مما نسخ كما هو مُبَيَّنٌ في المناقشة، ورفعه تارة إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعدم رفعه أخرى لا يطعن فيه لأنهم أحياناً لا يذكرون الإسناد، ولم يكن بعضهم يُكَذِّبُ بعضاً، فإذا سئل صحابي مِمَّنْ سمعت قول كذا؟ عزاه من غير تردُّدٍ ... وإن كان فيه رأياً بيَّنَهُ، وكانوا أورع من أنْ يكذبوا على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(٢) " الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة ": ص ١٢٥ وهو قول ابن المنذر، ويروى أنه أحسن ما سمع في ذلك، وانظر " أخبار أهل الرسوخ في الفقه والتحديث بمقدار المنسوخ من الحديث ": ص ٢٩.

<<  <   >  >>