للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وابن قتيبة بريء من أنْ يفتري على أبي هريرة، إنما ساق قول النَظَّام ليرد عليه: (انظر " تأويل مختلف الحديث ": ص ٢٨) ومن يتهاون في نسبة الآراء إلى أصحابها على هذا النحو - هل يؤتمن في قول؟ أو يقبل قدحه في أبي هريرة؟!.

وأما قول مروان لعبد لرحمن: «عَزَمْتُ عَلَيْكَ إِلاَّ مَا ذَهَبْتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَرَدَدْتَ عَلَيْهِ مَا يَقُولُ». فإنَّ مروان يريد أنْ ينتقم ويثأر لنفسه من أبي هريرة، الذي رَدَّ عليه رَدًّا مُفحماً، حين عارض في دفن الحسن إلى جوار جده، ولعله أراد أنْ يرده إلى الصواب والحق.

وليس في كل ما سبق ذكره أي دليل على تكذيب أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، ومنها أنه روى حديثاً في النهي عن المشي بالخف الواحد فبلغ ذلك عائشة فمشت بخف واحد، وقالت: «لأُخَالِفَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ» (١).

فالحديث احتجَّ به النظَّام ليطعن في أبي هريرة، وَرَدَّ ابن قتيبة عليه افتراءه. وقد ذكر أبو القاسم البلخي هذا الحديث عن عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - أنها دخلت في خفها حسكة فمشت في خف واحد وقالت: «لأُحَنِّثَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ... إِنَّهُ يَقُولُ لاَ يَمْشِي فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ وَلاَ خُفٍّ وَاحِدٍ» (٢).

هذه الرواية تبيِّنُ سبب مشيها في الخف الواحد. وأما قولها: «لأُحَنِّثَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ» فإنه لا يتجاوز باب المزاح والمرح، الذي عُرِفَ به الصحابة.

وقد أخرج حديث (النهي عن المشي في خف أو نعل واحدة) الشيخان، كما رواه مسلم عن جابر. ورواه الإمام أحمد عن أبي هريرة (٣).

ويُرْوَى عن عائشة من طريق مندل بن علي بن ليث بن أبي سليم: «أنَّ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رُبَّمَا انْقَطَعَ شِسْعُ (٤) نَعْلِهِ فَمَشَى فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ»، ومندل وليث ضعيفان لا حُجَّة فيما نقلا منفردين (٥).


(١) " أبو هريرة ": ص ٢٧٤ عن " تأويل مختلف الحديث ": ص ٢٧.
(٢) " قبول الأخبار ": ص ٥٧ و ٥٩.
(٣) " مسند الإمام أحمد ": ص ٦٩، جـ ١٣ رقم ٧٣٤٣ بإسناد صحيح وانظر الهامش.
(٤) الشسع: أحد سيور النعل.
(٥) " الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة ": ص ١٤٠.

<<  <   >  >>