للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويثور الكاتب قائلاً: «تعالى الله عن النزول والصعود والمجيء والذهاب والحركة والانتقال ... » وقد كان هذا الحديث والثلاثة التي قبله مصدراً للتجسيم في الإسلام، كما ظهر في عصر التعقيد الفكري، وكان من الحنابلة بسببها أنواع من البدع والأضاليل ولا سيما ابن تيمية ... [ص ٧٣]. ويذكر قصته الشهيرة على منبر دمشق.

إنَّ المؤلف حَمَّلَ ألفاظ هذه الأحاديث على ظاهرها حتى وصل إلى نتيجة التجسيم، كما فعل (المُشَبِّهَةُ)، ولما كان التشبيه مخالفاً لعقيدة جمهور المسلمين، أنكر صحة الحديث وهو رأي (الخوارج والمعتزلة وهو مكابرة) (١) وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ: «حُكِيَ عَنْ الْمُبْتَدِعَة رَدّ هَذِهِ الأَحَادِيث، وَعَنْ السَّلَف إِمْرَارهَا، وَعَنْ قَوْم تَأْوِيلهَا وَبِهِ أَقُول ... وَالْحَاصِل أَنَّهُ تَأَوَّلَهُ بِوَجْهَيْنِ: إِمَّا بِأَنَّ الْمَعْنَى يَنْزِل أَمْره أَوْ الْمَلَك بِأَمْرِهِ، وَإِمَّا بِأَنَّهُ اِسْتِعَارَة بِمَعْنَى التَّلَطُّف بِالدَّاعِينَ وَالإِجَابَة لَهُمْ وَنَحْوه» (٢). أقول إنَّ حمل ألفاظ اللغة على الحقيقة صرفت إلى المجاز، وهذا كثير في اللغة، فكما تقول: خرجت المدينة تستقبل الحُجَّاجَ، وتقصد بذلك أكثر أهل المدينة، كذلك يجب أنْ تقول في مثل هذا الحديث وفي الآيات التي استدلَّ بها (المُشبِّهة) على رأيهم كآية (الاستواء) وغيرها. ويلزم من إنكار هذه الأحاديث لما فيها من التجسيم والتشبيه - على رأي المؤلف - إنكار جميع الآيات التي بهذا المعنى، ولا يقول بهذا مسلم، فكما صرفت ألفاظ تلك الآيات إلى المجاز تصرف ألفاظ بعض الأحاديث أيضاً إلى ذلك، لأنَّ بعض الأحاديث جاءت على سُنن ونهج القرآن الكريم. وإذا أبى أنْ تُصرف هذه الألفاظ إلى المجاز قلنا له: يلزم من هذا أن تسير المدينة - في مثالنا - بأبنيتها ومساجدها وبيوتها وأشجارها، وهذا لا يعقل ولا يتصور، وهو خلاف العادة والعرف لذلك وجب صرفه إلى المجاز، من غير أنْ نَرُدَّ ذلك الأصل اللغوي، الذي


(١) " فتح الباري ": ص ٢٧٢، جـ ٣.
(٢) " فتح الباري ": ص ٢٧٢، جـ ٣.

<<  <   >  >>