للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دليلاً قاطعاً على تجريحه، فقال: «وناهيك تكذيب كل من عمر وعثمان وعلي وعائشة له، وقد تقرَّر بالإجماع تقديم الجرح على التعديل في مقام التعارض، على أنه لا تعارض هنا قطعاً، فإنَّ العاطفة بمجردها لا تعارض تكذيب من كَذَّبَهُ من الأئمة.

أما أصالة العدالة في الصحابة فلا دليل عليه، والصحابة لا يعرفونها، ولو فرض صحتها فإنما يعمل على مقتضاها في مجهول الحال، لا فيمن يُكَذِّبُهُ عمر وعثمان وعلي وعائشة، ولا فيمن قامت على جرحه أدلة الوجدان، فإذا نحن من جرحه على يقين جازم» (١).

إلاَّ أنَّ زعمه هذا رددناه بالحُجج الدامغة، فانهار ما ادَّعاه أمام الصرح الشامخ الذي يحمي عدالة أبي هريرة، وتحطمت سهامه الواهية على الحصن المنيع الذي بناه أبو هريرة بصدقه وأمانته واستقامته، فلم يجد ثغرة ينفذ منها، أو ثلماً يدس في هواه، فراح يشكِّكُ الناس في مرويات أبي هريرة، ويستشهد ببعض الأحاديث التي وردت في " الصحيحين " عنه، متَّخذاً طعنه في أبي هريرة وتجريحه إياه، مطيَّّة وذريعة للتشكيك في ما ورد في " الصحيحين " عامة، يريد من قُرَّائِهِ بل من الناس جميعاً أنْ لا يثقوا بالكتب التي أجمعت الأمَّة على صحتها، وتلقَّتها بالقبول، ولم يجد إلى ذلك سبيلاً، إلاَّ أنْ يذكر بعض الأحاديث التي تتعلق بالأمور الغيبية، ويحاول أنْ يُحَكِّمَ العقل البشري فيها، يوازن بينها وبين الواقع، من ذلك حديث خلق آدم [ص ٥٦] فَيُحَمِّلُ ألفاظه ما لا تحتمل، ويفسِّرُهُ تفسيراً لا يقبله العقل والذوق السليم، ويسوق غيره من الأحاديث التي تتناول بعض أحوال يوم القيامة، كرؤية الله تعالى [ص ٦٤]، والنار [ص ٧٠]، وينكر ما جاء في حديث استجابة الله تعالى الدعاء في الثلث الأخير من كل ليلة [ص ٧٢] وَيُحَمِّلُ ألفاظه ما لا تحتمل، فالحديث (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - مَرْفُوعاً «يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِى فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ... » الحديث. اهـ.


(١) " أبو هريرة ": ص ٢٧٩.

<<  <   >  >>