للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقد تبيَّن لنا مِمَّا عرضناه أنَّ أبا هريرة يم يكن محل تكذيب من الصحابة والتابعين، ولم يثبت قط أنَّ أحداً اتهمه بالكذب، والوضع واختلاق الأحاديث على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بخلاف ما ادَّعاه أهل الأهواء وبعض المستشرقين أمثال (جولدتسيهر) و (شبرنجر) وكل ما كان بينه وبين بعض الصحابة لم يعد باب التحقيق العلمي، ولم يتناول قط عدالته وصدقه وأمانته، وإذا رََدَّ عليه بعضهم فإنما رَدُّوا بعض ما كان يفتي به، مِمَّا علمه من حديث رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، فكان خلافهم في فهم الحديث، لا في الحديث نفسه حيث نسبته إلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو عدم نسبته، وكان اعتراضهم على (فتواه) لا على (حديثه) ولم يكن هذا خاصاً بأبي هريرة، بل حديث كثيراً بين الصحابة. وهناك فرق كبير بين رَدِّ (الفتوى) وَرَدِّ (الحديث)، و (الخطأ) و (التكذيب)، فشتان ما هما.

وقد ثبت أنَّ أبا هريرة أفتى في مسائل دقيقة في حضرة ابن عباس وغيره، وعمل الصحابة ومن بعدهم بحديثه في مسائل كثيرة - تخالف القياس - كما عملوا كلهم بحديثه عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لاَ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلاَ خَالَتِهَا» (١).

فلو شك أحد في صحة حديثه أو في صدقه لتركوا حديثه، ولكن شيئاً من ذلك لم يحصل.

هذا وقد عرفت الأمَّة مكانته ومنزلته، وقبلوا حديثه، وظهر لنا ذلك واضحاً كالشمس في رابعة النهار. وقد سبق أنْ بيَّنت ثناء الصحابة والتابعين والأئمة عليه وأُكَرِّرُ هنا قول الإمام الذهبي فيه «وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَثِيقَ الحِفْظِ، مَا عَلِمْنَا أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي حَدِيثٍ» (٢).

إلاَّ أنَّ مؤلف كتاب " أبو هريرة " لم يأبه بكل هذا، واستنتج من تلك المناقشات العملية كذب أبي هريرة، ورأى ما دار بينه وبين بعض الصحابة


(١) " سير أعلام النبلاء ": ص ٤٤٥، جـ ٢.
(٢) المرجع السابق: ص ٤٤٦، جـ ٢.

<<  <   >  >>