للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مكة معهد المسلمين الذي يتلقَّون فيه القرآن الكريم، وينهلون من معين السُنَّة على يَدَيْ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وكان الصحابة يستظهرون آيات القرآن، ويتدارسونها فيما بينهم، ليثبتوا ما سمعوا من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد يتذاكرون تفسير ما تَلَقَّوْهُ، وما تفسيره إلاَّ شرح رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو الحديث. فحفظ الحديث النبوي كان مُتمشِّياً جنباً إلى جنب مع حفظ القرآن الكريم من الأيام الأولى لظهور الإسلام.

ثم أصبح المسجد فيما بعد المكان المعهود للعمل والفتوى والقضاء إلى جانب العبادة وإقامة الشعائر الدينية، وعرض الأمور العامة على المسلمين، واستنفار الجيوش، واستقبال الوفود.

ومع هذا لم يقتصر تبليغ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على مكان محدود ولا على مناسبة معيّنة، فقد كان يُسْتَفْتَى في الطريق فيُفتِي، ويسئل في المناسبات فيجيب، يُبَلِّغُ الأحكام في كل فرصة تسنح له، وفي كل مكان يتَّسع لذلك.

وإلى جانب هذا كانت له مجالس علميَّة كثيرة، يتخوَّلُ فيها أصحابه بالموعظة، فإذا جلس جلس إليه أصحابه حلقاً حلقاً (١) وعن أنس بن مالك - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: « ... إِنَّمَا كَانُوا إِذَا صَلَّوُا الْغَدَاةَ قَعَدُوا حِلَقًا حِلَقًا يَقْرَأُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَعَلَّمُونَ الْفَرَائِضَ وَالسُّنَنَ» (٢). ولم يكن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضنيناً بالعلم على أصحابه، بل كان يكثر مجالستهم، يعلِّمُهُم ويزكيهم.

وكان الرسول الكريم مثالاً رائعاً في تربية الأُمَّة، يخاطب الناس بما يُدركونه، فيُفْهِمُ البدويَّ الجافي بما يناسب جفاءه وقسوته، ويفهم الحضري بما يلائم حياته وبيئته، كما كان يراعي تفاوت المدارك، وانتباه أصحابه، وقدرهم الفطرية والمكتسبة، ويستعمل من الأساليب النظرية والعمليَّة


(١ و ٢) انظر " مجمع الزوائد ": ص ١٣٢ جـ ١.

<<  <   >  >>