للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما يُحقِّقُ مقاصد رسالته. والأخبار في هذا كثيرة جداً منها: أنَّ فَتًى مِنْ قُرَيْش أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي في الزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ وَزَجَرُوهُ فَقَالُوا: مَهْ. مَهْ. فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا ". فَقَالَ: " أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ؟ " قَالَ: لاَ. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ. قَالَ: " وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ ". قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لابْنَتِكَ؟ " قَالَ: لاَ. وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ. قَالَ: " وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ ". ثم ذكر له رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخته ومعمَّته وخالته، وفي كل هذا يقول الفتى مقالته: " لاَ. وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ "، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: " اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ " قَالَ الرَاوِي: فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ (١).

لقد اتَّبع الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسلوباً جعل الفتى يُدرك أثر الزنا في المجتمع، وكيف أنَّ الناس جميعاً لا يرضونه لأنفسهم وأهليهم كما أنه لا يرضاهُ هو لذويه، مِمَّا حمله على الاقتناع بالإقلاع عنه. وخير الأمور ما كان الدافع إليه من قرارة النفس.

وكان الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدعو إلى التيسير دائماً، وينهى عن التنطع في العبادة، والتضييق في الأحكام، وكان في معاملته للمسلمين جميعاً أخاً رحيماً، ومُعلِّماً متواضعاً حليماً، ويظهر ذلك واضحاً من تتبُّع سيرته - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -. عن السيدة عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قالت: «مَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبَعْدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ بِهَا» (٢).

بهذه الروح الطيِّبة، والنفس السامية، والصدر الرحب، والمنهج التربوي الصحيح كان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعلِّمُ أصحابه


(١) " مجمع الزوائد ": ص ١٢٩، جـ ١.
(٢) " فتح الباري ": ص ٣٨٥ - ٣٨٦، جـ ٧.

<<  <   >  >>