للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَسَلَّمَ - حرصاً شديداً، إلى جانب قيامهم بأعمالهم المعاشية من الرعاية والتجارة وغيرها، وقد يصعب على بعضهم الحضور دائماً، فيتناوبون مجالسه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، كما كان يفعل عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قال: «كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنْ الأَنْصَارِ فِي بني أُمَيَّةَ بن زَيْدٍ، وَهِيَ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ، وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى رَسُولِ الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِخَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ ... » (١).

ولم يقتصر تعليمه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الصحابة وحدهم، بل كان يُعلِّمُ النساء أمور دينهم، ويعقد لَهُنَّ مجالسهُنَّ، ولم يكن ذلك صُدفة أو نادراً، بل خَصَّصَ لَهُنَّ أوقاتاً خاصة يَجْلِسْنَ فيها إليه ويتلقَّيْنَ عنه تعاليم الإسلام، ويسْأَلْنَهُ فيُجيبُهُنَّ، وفي هذا قالت عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -:

وكان بعض الوفود يقيم عند الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يتعلَّمُون أحكام الإسلام وعباداته، ثم يعودون إلى أقوامهم يُعَلِّمُونَهُمْ وَيُفَقِّهُونَهُمْ، من هذا ما أخرجه " البخاري " عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: «أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِيمًا، فَقَالَ: " ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ، وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» (٣).

إنَّ مثل هؤلاء الوافدين الذين أقاموا أياماً خالدة عند رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لا يمكن أنْ ينسوا ما تلقَّوْهُ منه، بل سيبقى ذلك ثابتاً قوياً في نفوسهم طوال حياتهم.


(١) " فتح الباري ": ص ١٩٥، جـ ١.
(٢) " فتح الباري ": ص ٢٣٩، جـ ١.
(٣) " صحيح البخاري بحاشية السِنْدِي ": ص ٥٢، جـ ٤.

<<  <   >  >>