وإلى جانب هذه الوفود وتلك المجالس، كان المسلمون يتلقَّون السُنَّة عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من وجوه عِدَّةٍ. منها أنَّ بعض الحوادث التي تقع للرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيُبَيِّنُ حُكْمَهَا، وينتشر هذا الحُكم بين المسلمين، وبعض الحوادث كانت تقع للمسلمين فيسألون الرسول الأمين عنها فيجيبهم، ومن هذه الحوادث ما يتناول خصوصيات السائل نفسه، ومنها ما يتعلَّقُ بغيره، وجميعها من الوقائع التي تعرض للإنسان في حياته فنرى الصحابة لا يخجلون في ذلك كله، بل يسرعون إلى رائدهم ومُرَبِّيهِمْ ليقفوا على حقيقة تطمئنُّ قلوبهم إليها.
إنَّ هؤلاء الصحابة الذين كانوا يسألون رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أمورهم الشخصية التي قد يخجل منها غيرهم، كانوا لا يحجمون عن سؤاله في معاملاتهم وعباداتهم وعقائدهم وسائر أمورهم.
وكان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُجيبهم على أسئلتهم هذه كلها ويحكم بينهم، ويُبَيِّنُ لهم الحق، وفي تلك الأجوبة والفتاوى والأقضية مادة كثيرة في مختلف أبواب كتب السُنَّة، وهي تؤلِّفُ جانباً كبيراً من الحديث النبوي. ويبعد أنْ ينسى هذه الحوادث من وقعت له وسأل عنها النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لأنها جزء من حياة السائل، بل واقعة بارزة من وقائع عمره.
وهناك وقائع شاهد فيها الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - تصرُّفات الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، في صلاته وصيامه وحَجِّهِ وسفره وإقامته، فنقلوها إلى التابعين الذين بلَّغُوها من بعدهم، وهي تؤلِّف جانباً عظيماً من السُنَّة، وخاصة هديه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في العبادات والمعاملات وسيرته ...
مِمَّا سبق اتَّضح لنا كيف تلقَّى المسلمون السُنَّة عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعرفنا الروح التي شملتهم، والدوافع القوية التي حثَّتهم على تلقِّي القرآن والسُنَّة وحفظهما، مِمَّا يسمح لنا أنْ نقول - ونحن واثقون مطمئنُّونَ -: