أو مصنَّف أو جامع، وأما جمع حديث إلى مثله في باب واحد، فقد سبق إليه التابعي الجليل عامر بن شراحيل الشعبي (١٩ - ١٠٣ هـ).
وكان معظم تلك المُصنَّفات، والمجاميع يضم الحديث الشريف وفتاوى الصحابة والتابعين، كما هو واضح في " موطأ الإمام مالك بن أنس " الذي يضمًّ ثلاثة آلاف مسألة وسبعمائة حديث.
ثم رأى بعض الحفاظ أنْ تفرد أحاديث النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مؤلفات خاصة، فأُلِّفتْ المسانيد، وهي كتب تضم أحاديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأسانيدها، خالية من فتاوى الصحابة والتابعين، تجمع فيها أحاديث كل صحابي - ولو كانت في مواضيع مختلفة - تحت اسم مسند فلان، ومسند فلان، وهكذا.
وأول من ألف المسانيد أبو داود سليمان بن الجارود الطيالسي (١٣٣ - ٢٠٤ هـ)، وتابعه بعض من عاصره من أتباع التابعين وأتباعهم، فصنَّف أسد بن موسى (- ٢١٢ هـ)، وعبيد الله بن موسى العبسي (- ٢١٣ هـ) وغيرهم، واقتفى آثارهم أئمة الحفاظ كأحمد بن حنبل (١٦٤ - ٢٤١ هـ) وإسحاق بن راهويه (١٦١ - ٢٣٨ هـ)، وعثمان بن أبي شيبة (١٥٦ - ٢٣٩ هـ) وغيرهم.
ويعتبر مسند الإمام أحمد - وهو من أتباع أتباع التابعين - أَوْفَى تلك المسانيد وأوسعها. وكان هؤلاء الأئمة والحُفاظ قد جمعوا الحديث ودَوَّنُوهُ بأسانيده، واجتنبوا الأحاديث الموضوعة، وذكروا طُرُقاً كثيرة لكل حديث، يتمكَّنُ بها رجال هذا العلم وصيارفته من معرفة الصحيح من الضعيف، والقوي من المعلول، مِمَّا لا يتيسَّرُ لكل طالب علم، فرأى بعض الأئمة الحُفاظ أنْ يُصنِّفُوا في الحديث الصحيح فقط، فصنَّفُوا كتبهم على الأبواب، واقتصروا فيها على الحديث الصحيح، ومن أجل ذلك تكبَّدُوا عناء السفر، والرحلة في طلب الحديث والبحث، ولقاء الشيوخ العدول الثقات الضابطين، ومن يطَّلع على سير بعض أئمة الحديث وحفاظه يدرك الجهود العظيمة التي بذلت في سبيل حفظ السُنَّة. وهكذا ظهرت " الكتب الستة " في