وقد تبيَّن لي من متابعة بحث التدوين أنَّ عبد العزيز بن مروا والد عمر بن عبد العزيز حين ولي إمرة مصر - كتب إلى مُحَدِّثِ حِمْصْ التابعي الجليل كثير بن مُرَّة الحضرمي، الذي أدرك سبعين بدرياً من الصحابة - أنْ يكتب إليه بما سمع من أصحاب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلاَّ حديث أبي هريرة فإنه كان عنده، ولا يظن بكثير إلاَّ أن يستجيب لطلب الأمير، فيجتمع له بهذا ما كان عنده، ولا يظن بكثير إلاَّ أنْ يستجيب لطلب الأمير، فيجتمع له بهذا ما كان عنده من حديث أبي هريرة وما عند كثير. ويكون ما فعله الخليفة عمر بن عبد العزيز بعد هذا - من العناية بالحديث ومطالبة العماء في الأمصار المختلفة بكتابته والجلوس لمدارسته - ليس إلاَّ امتداداً لما شرع فيه أبوه من قبل.
ولم يلبث تيار النشاط العلمي، وكتابة الحديث أنْ يطالع العالم بمُدوَّنات حديثية مختلفة، على يدي علماء النصف الأول من القرن الهجري الثاني، وقد ظهرت هذه المُصنَّفات في أوقات متقاربة في مختلف مناطق الدولة الإسلامية.
وأول من صنَّف بالبصرة الربيع بن صُبيح (- ١٦٠ هـ)، وسعيد بن أبي عروبة (- ١٥٦ هـ)، وحماد بن سلمة (- ١٧٦ هـ)، وصنَّف سفيان بن سعيد الثوري (٩٧ - ١٦١ هـ) بالكوفة، ومعمر بن راشد (٩٥ - ١٥٣ هـ) باليمن، والإمام عبد الرحمن عمرو الأوزاعي (٨٨ - ١٥٧ هـ) بالشام، وعبد الله بن المبارك (١١٨ - ١٨١ هـ) بخراسان، وهُشَيْم بن بشير (١٠٤ - ١٨٣ هـ) بواسط، وجرير بن عبد الحميد (١١٠ - ١٨٨ هـ) بالري، وعبد الله بن وهب (١٢٥ - ١٩٧ هـ) بمصر كما لا أشك في أنَّ الليث بن سعد المصري الفقيه الإمام المشهور (- ١٧٥ هـ) كان قد جمع وصنَّف، لما عرف عنه من نشاط علمي واسع وصلة دائمة بعلماء المشرق الإسلامي. ثم تلاهم كثير من أهل العلم في عصرهم في النسج على منوالهم، وقد كان هذا التصنيف بالنسبة إلى جمع الأبواب وضمِّها إلى بعضها في مؤلف.