سعد بن عُبادة الأنصاري (- ١٥ هـ) كتاب أو كتب فيها طائفة من حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان مثل ذلك عند أبي رافع مولى الرسول الكريم، وعند غيره، وإنَّ المقام يضيق عن حصر ما كتب في عهد الصحابة والتابعين (١)، ومع هذا لا بُدَّ من الإشارة إلى أنَّ صحيفة عبد الله بن عمرو، وهي " الصحيفة الصادقة " قد دُوِّنَتْ في عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومن أشهر ما دُوِّنَ في عصر الصحابة " صحيفة جابر بن عبد الله الأنصاري "(١٦ ق هـ - ٧٨ هـ) ولعلَّ بعضها دُوِّنَ في عهده - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، و " الصحيفة الصحيحة " التي أملاها أبو هريرة على همام بن منبه وغيرها من الصحف التي كانت عند عروة بن الزبير، وخالد بن معدان الكلاعي، وأبي قلابة والحسن البصري، وكثرت كتب العلماء حتى بلغت كتب الصحابي الجليل عبد الله بن عباس حِمْلَ بعير، وقد نقلت كتب الزُهري بعد مقتل الوليد بن يزيد الأموي (٨٨ - ١٢٦ هـ) من خزائنه على الدواب، وقد شاع التدوين في مطلع القرن الهجري الثاني بين العلماء، وأصبح من النادر ألا ترى لأحدهم تصنيفاً أو جامعاً فيه بعض أبواب الحديث.
وقد تبنَّت الدولة رسمياً في عهد عمر بن عبد العزيز تدوين الحديث، فكتب إلى الأمصار يأمر العلماء بجمعه وتدوينه، وكان فيما كتبه لأهل المدينة:«انْظُرُوا حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاكْتُبُوهُ فَإِنِّي قَدْ خِفْتُ دُرُوسَ الْعِلْمِ وَذَهَابَ أَهْلِهِ»، وكتب إلى أمير المدينة، أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ (- ١١٧ هـ): «اكْتُبْ إِلَيَّ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَكَ مِنَ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِحَدِيثِ عَمْرَةَ، فَإِنِّي خَشِيتُ دُرُوسَ الْعِلْمِ وَذَهَابِ أَهْلَهُ».
كما أنَّ ابن شهاب الزُهري (- ١٢٤ هـ) وغيره بجمع السُنن، فكتبوها له، وكان ابن شهاب أحد الأعلام الذين شاركوا في جمع الحديث والكتابة، قال:«أَمَرَنَا عُمَرُ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِجَمْعِ الْسُّنَنِ، فَكَتَبْنَاهَا دَفْتَراً دَفْتَراً، فَبَعَثَ إِلَى كُلِّ أَرْضٍ لَهُ عَلَيْهَا سُلْطَانٍ دَفْتَراً».
(١) بسطت القول في هذا في كتابي " السُنَّة قبل التدوين " تحت عنوان «أشهر ما دُوِّنَ في صدر الإسلام».