أحدها: أن القرآن أتى بالنداء من الله تعالى للعباد، ومن العباد لله سبحانه؛ إما حكايةً، وإما تعليمًا، فحين أتى بالنداء من قِبَل الله للعباد جاء بحرف النداء المقتضي للبُعد ثابتًا غير محذوف، كقوله تعالى: ﴿يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ﴾ [العنكبوت: ٥٦]، ﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الزمر: ٥٣]، ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: ١٥٨]، ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ﴾ [البقرة: ٢١]، ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ١٠٤].
فإذا أتى بالنداء من العباد إلى الله تعالى، جاء من غير حرف؛ فلا تجد فيه نداء الربِّ تعالى بحرف نداء ثابت بِناءً على أن حرف النداء للتنبيه في الأصل، والله منزَّهٌ عن التنبيه.
وأيضًا، فإن أكثر حروف النداء للبعيد، ومنها "يا" التي هي أمُّ الباب، وقد أخبر الله تعالى أنه قريبٌ من الداعي خصوصًا؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ [البقرة: ١٨٦] الآية، ومن الخَلق عمومًا؛ لقوله: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ﴾ [المجادلة: ٧]، وقوله: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق: ١٦].
فحصل من هذا التنبيهُ على أدبَين: أحدهما: ترك حرف النداء. والآخَر: استشعار القُرب.
كما أن في إثبات الحرف في القسم الآخَر التنبيهَ على معنيَين:
إثبات التنبيه لمَن شأنُه الغفلة والإعراض والغيبة، وهو العبد. والدلالة على