للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: أخطأت يا أبا يوسف

فضحك الرشيد، ثم قال: كيف الصواب؟

قال: إذا قال "أنْ"؛ فقد وجَب الفِعل، ووقَع الطلاق، وإن قال: "إنْ"؛ فلم يجِب، ولم يقَع الطلاق.

قال: فكان أبو يوسف بعدَها لا يدَع أن يأتي الكسائي (١).

فهذه المسألة جارية على أصل لغوي لا بُدَّ من البناء عليه في العِلمَين.

فهذه أمثلة تُرشِد الناظر إلى ما وراءها، حتى يكون على بيِّنة فيما يأتي من العلوم ويذَر؛ فإن كثيرًا منها يستفِزُّ الناظرَ استحسانُها ببادئ الرأي، فيقطع فيها عُمرَه، وليس وراءها ما يتخذه معتمَدًا في عملٍ ولا اعتقاد، فيخِيب في طلب العِلم سعيُه، والله الواقي.

ومن طريف الأمثلة في هذا الباب ما حدَّثَناه بعضُ الشيوخ (٢): أن أبا العباس بن البَنَّاء (٣) سُئل، فقيل له: لِمَ لَمْ تعمل "إِنَّ" في (هذان) من قوله تعالى: (إِنَّ هذانِ لساحران) (٤) [طه: ٦٣] الآية؟

فقال في الجواب: لما لم يؤثِّر القول في المَقُول؛ لم يؤثِّر العامل في المعمول.


(١) راجع هذه الحكاية في: إرشاد الأريب ٤/ ١٧٤١.
(٢) هو شيخه الإمام أبو عبد الله المقري، فقد ذكر الشاطبي هذه الحكاية في: الإفادات والإنشادات، ص ١١٠، مصرِّحًا بنسبتها إليه.
(٣) أحمد بن محمد بن عثمان الأزدي أبو العباس المَرَّاكُشي، جمع بين علوم الشريعة وعلم الفلك والحساب والنجوم، له كتب كثيرة، توفي سنة ٧٢١ هـ. راجع في ترجمته: نيل الابتهاج ٨٣ - ٩٠.
(٤) وهي قراءة نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم في رواية شعبة. راجع: السبعة في القراءات، ص ٤١٩؛ الإقناع، ٢/ ٦٩٩؛ البحر المحيط ١٨/ ٥٦٠.

<<  <   >  >>