للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبيان ذلك هنا: أن العرب قد تُطلِق ألفاظ العموم بحسب ما قصدتْ تعميمَه مما يدلُّ عليه معنى الكلام خاصَّةً، دون ما تدلُّ عليه تلك الألفاظ بحسب الوضع الإفرادي، كما أنها أيضًا تُطلِقها، وتقصد بها تعميم ما تدلُّ عليه في أصل الوضع، وكلُّ ذلك مما يدلُّ عليه مقتضى الحال؛ فإن المتكلِّم قد يأتي بلفظ عموم مما يشمل بحسب الوضع نفسَه وغيرَه، وهو لا يريد نفسَه، ولا يريد أنه داخلٌ في مقتضى العموم، وكذلك قد يقصد بالعموم صِنفًا مما يصلُح اللفظُ له في أصل الوضع دون غيره من الأصناف.

كما أنه قد يقصد ذكر البعض في لفظ العموم، ومرادُه من ذكر البعض الجميعُ؛ كما تقول: فلانٌ يملك المشرق والمغرب. والمرادُ: جميع الأرض. و: ضُرِب زيدٌ الظَّهْرُ والبَطْنُ (١)، ومنه: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾ [الرحمن: ١٧]، ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾ [الزخرف: ٨٤].

فكذلك إذا قال: مَن دخل داري أكرمتُه؛ فليس المتكلِّم بمراد، وإذا قال: أكرمتُ الناس. أو: قاتلتُ الكُفار. فإنما المقصود مَن لقي منهم؛ فاللفظ عامٌّ فيهم خاصة، وهم المقصودون باللفظ العام دون من لم يخطُر بالبال.

قال ابن خَرُوف (٢): "ولو حلف رَجُلٌ بالطلاق والعتق ليضرِبنَّ جميعَ مَن


(١) راجع: الكتاب ١/ ١٥٨، ١٥٩.
(٢) فائدة: علَّق محقِّق الموافقات (النشرة المعتمدة) هنا بقوله: "له شرح على كتاب سيبويه لم يُطبع، ولعل النقل منه". وقال محقِّق النشرة الثانية (أيت)، ٤/ ٥٣٧، هامش (٩٦٨١): "ينظر "تنقيح الألباب" المذكور، فلعله فيه، وليس بين يدي الآن".
قلتُ: المطبوع من شرح ابن خروف على كتاب سيبويه المسمَّى: "تنقيح الألباب" قدر يسير جدًّا، وليس فيه هذا الكلام، وقد وُجِدت له نسخة كاملة، ويُعمَل على تحقيقه الآن =

<<  <   >  >>