للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأحقاف: ٢٥]، وقال في الآية الأخرى: ﴿مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾ [الذاريات: ٤٢].

ومن الدليل على هذ أيضًا أنه لا يصحُّ استثناء هذه الأشياء بحسب اللسان؛ فلا يقال: مَن دخَل داري أكرمته إلا نفسي. أو: أكرمتُ الناس إلا نفسي. ولا: قاتلتُ الكُفارَ إلا مَن لم أَلقَ منهم. ولا ما كان نحو ذلك، وإنما يصحُّ الاستثناء من غير المتكلِّم ممن دخَل الدار، أو ممن لقيت من الكُفار، وهو الذي يُتوهَّم دخولُه لو لم يُستثنَ، هذا كلامُ العرب في التعميم؛ فهو إذًا الجاري في عمومات الشرع.

وأيضًا فطائفة من أهل الأصول نبهوا على هذا المعنى، وأن ما لا يخطر ببال المتكلِّم عند قصده التعميم إلا بالإخطار لا يُحمَل لفظُه عليه إلا مع الجمود على مجرَّد اللفظ، وأما المعنى فيبعُد أن يكون مقصودًا للمتكلِّم، كقوله : "أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فقد طَهُر" (١).

قال الغزالي: "خروجُ الكلب عن ذهن المتكلِّم والمستمِع عند التعرُّض للدِّباغ ليس ببعيد، بل هو الغالب الواقع، ونقيضُه هو الغريب المستبعَد" (٢).

وكذا قال غيرُه أيضًا، وهو موافق لقاعدة العرب، وعليه يُحمَل كلام الشارع بلا بُدَّ" (٣).

المثال السابع: دلالة اسم الإشارة للبعيد في دفعِ ما قد يُتوهَّم من المعنى الفاسد:

"سألني الشيخ الأستاذ الكبير الشهير أبو سعيد فرج بن قاسم بن لُب


(١) أخرجه الترمذي (١٧٢٨)، وقال: "حديث حسن صحيح"؛ والنسائي (٤٢٤١)؛ وابن ماجه (٣٦٠٩).
(٢) المستصفى ٢/ ٥٧.
(٣) الموافقات ٤/ ١٨ - ٢٢.

<<  <   >  >>