قال ابن قُتَيبَة: واحتجاجُه لبِشْر أعجبُ من لحنِ بِشْر.
واستدلَّ بعضُهم على تحليل شَحْم الخنزير بقول الله تعالى: ﴿وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ﴾ [المائدة: ٣]، فاقتصَر على تحريم اللحم دون غيره، فدلَّ على أنه حلالٌ.
وربما سلَّم بعض العلماء ما قالوا، وزعم أن الشَّحْم إنما حرم بالإجماع.
والأمرُ أيسرُ من ذلك؛ فإن اللحم يُطلَق على الشَّحْم وغيره حقيقةً، حتى إذا خُصَّ بالذِّكر قيل: شَحْمٌ. كما قيل: عِرق، وعَصَب، وجِلد. ولو كان على ما قالوا، لزِم أن لا يكون العِرق ولا العَصَب ولا الجِلد ولا المُخ ولا النُّخاع ولا غير ذلك مما خُصَّ بالاسم مُحرَّمًا، وهو خروجٌ عن القول بتحريم الخنزير.
ويمكن أن يكون من خَفِيِّ هذا الباب مذهبُ الخوارج في زعمهم أنه لا تحكيم للرِّجال؛ استدلالًا بقوله تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾ [الأنعام: ٥٧]، فإنه مبنيٌّ على أن اللفظ ورد بصيغة العموم، فلا يلحقه تخصيصٌ؛ فلذلك أعرضوا عن قول الله تعالى: ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا﴾ [النساء: ٣٥]، وقوله: ﴿يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ٩٥]، وإلا فلو علموا تحقيقًا قاعدة العرب في أن العموم يُراد به الخصوص؛ لم يُسرِعوا إلى الإنكار، ولقالوا في أنفسهم لعلَّ هذا العام مخصوصٌ؛ فيتأولون.
وفي الموضع وجه آخَر مذكور في موضع غير هذا (١).
وكثيرًا ما يُوقع الجهلُ بكلام العرب في مخازٍ لا يرضى بها عاقل، أعاذنا الله من الجهل والعملِ به، بفضله.