للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن مآخذ صاحب الهوى والبدعة كذلك في تقرير المسائل أن "يتَّبع فيها الهوى أولًا، ثم يطلب لها المَخرَج من كلام العلماء، أو من أدلة الشرع. وكلامُ العرب أبدًا - لاتساعه وتصرُّفه - يحتمل أنحاء كثيرة، لكن يعلم الراسخون المراد منه من أوَّله، أو آخِره، أو فحواه، أو بساط حاله، أو قرائنه. فمَن لا يعتبره من أوله إلى آخِره، ويعتبر ما ابتنى عليه زلَّ في فهمه، وهو شأن من يأخذ الأدلة من أطراف العبارة الشرعية، ولا ينظر بعضها ببعض، فيوشِك أن يزلَّ، وليس هذا من شأن الراسخين، وإنما هو من شأن من استعجل طلبًا للمَخرَج في دعواه" (١).

ومما يدخُل في هذا استدلالُ بعضهم على أن التكبير الجماعي بصوت واحد في العيدين فيه أجرٌ وثواب وأنه من بدع الخير، وليس بمخالف للسُّنة - بـ "ما رُوي عن ابن مسعود من أن: "الاقتصادَ في السُّنة خيرٌ من الاجتهادِ في البدعة" (٢)؛ كون أن جاءت هذه الألفاظ عن السلف بـ "أفعل من" التي هي في اللسان العربي تقتضي التفضيل دالَّةً على الفاضل والمفضول …

وقول القائل: إن التكبير على صوت واحد فيه الأجر، فإن أثبتَ ذلك نقلًا صريحًا لا احتمال فيه عن السلف صحَّ الأجرُ، وإلا فلا أجر فيه البتةَ. وأما قوله: إنه من بدع الخير التي شهِد الشرع بحُسنها فغلط؛ إذ لا بدعة في الدنيا يشهد الشرعُ باعتبار حُسنها، بل الأمر بضدِّ ذلك لقوله : "كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ" (٣) وأشباهه (٤).


(١) الاعتصام ٢/ ٩.
(٢) أخرجه الحاكم في المستدرك (٣٥٢)، وقال: "هذا حديث مسند صحيح على شرطهما، ولم يخرجاه".
(٣) أخرجه مسلم (٨٦٧).
(٤) هذا هو مذهب الشاطبي في باب البدعة، وقد أقام كتابه "الاعتصام" لبيان مذهبه هذا والانتصار =

<<  <   >  >>