للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخامس: أن عامَّة الناس لا عِلم لهم باللسان العربي، فربما لحن، فيكون اللحن سبب عدم الإجابة، وحُكي عن الأصمعي في ذلك حكاية شعرية (١) لا فقهية، وهذا الاحتجاج إلى اللعب أقربُ منه إلى الجِدِّ، وأقربُ ما فيه أن أحدًا من العلماء لا يشترِط في الدعاء أن لا يُلحَّن كما يشترِط الإخلاصَ، وصِدقَ التوجُّه، وعَزْمَ المسألة، وغير ذلك من الشروط.

وتعلُّم اللسان العربي لإصلاح الألفاظ في الدعاء - وإن كان الإمامُ أعرفَ به - هو كسائر ما يحتاج إليه الإنسان من أمر دينه؛ فإن كان الدعاء مستحبًّا، فالقراءة واجبةٌ، والفقه في الصلاة كذلك" (٢).

* * *

قلتُ: تعقَّب ابن الأزرق الشاطبي في كلامه هذا، وناقشه فيه، فقال: "أما الدعاء فحِفظه بالعربية مما يُفسِد اللحن معناه، ظاهرٌ … ؛ ولذلك قال الأستاذ أبو سعيد بن لُب: "الدعاء عِلم لساني، وتعلُّق قلبي؛ هما مبناه، وعليهما يدور معناه"، ثم ذكر عن الخَطَّابي أن الرِّيَاشي قال: مرَّ الأصمعيُّ برجل يقول في دعائه: "يا ذو الجلال والإكرام"، فقال له: ما اسمُك؟ قال: ليثُ. فأنشأ يقول: [الوافر]

يُنادِي ربَّه باللحنِ لَيثٌ … لِذاكَ إِذا دَعَاهُ لا يُجِيبُ


(١) يقصد حكاية أن الأصمعي مرَّ برجل يقول في دعائه: "يا ذو الجلال والإكرام"، فقال له: ما اسمك؟ قال: ليتُ. فأنشأ يقول:
ينادي ربّه باللحن ليثٌ … لذاك إذا دعاه لا يُجيب
راجع: شأن الدعاء، للخطابي، ص ٢٠.
(٢) الاعتصام ٢/ ٢٦٠ - ٢٩١.

<<  <   >  >>