للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلا أن الأستاذ أبا إسحاق الشاطبي تعقَّب هذا "بأن الحكاية شعرية لا فقهية، والاحتجاج بها إلى اللعب أقربُ منها إلى الجِدِّ. قال: "وأقربُ ما فيه أن أحدًا من العلماء لا يشترِط في الدعاء أن لا يُلحَّن كما يشترِط الإخلاصَ، وصِدقَ التوجُّه، وعَزْمَ المسألة وغير ذلك من الشروط".

قلتُ [ابن الأزرق]: لم يأت الأستاذ [ابنُ لب] بالحكاية على أنها الحُجة على اشتراط سلامة الدعاء من اللحن من حيث هي شعرية، بل لجريانها على ما ينبغي في الجملة من السلامة عن ذلك، وحينئذٍ فلا يَرِد عليه ذلك التحامُل.

وقوله: "وأقرب ما فيه إلى آخره جوابُه: أن الإمام أبا سليمان الخَطَّابي الذي ذكر الأستاذ عنه الحكاية، وهو مَن عُلِم مقامُه في العلماء الجِلَّة، قد قال في صدر كتابه في شرح الأدعية ما نصُّه: "ومما يجب أن يُراعى في الأدعية الإعرابُ الذي هو عماد الكلام، و به يستقيم المعنى، وبعدمه يختَلُّ ويفسُد، وربما انقلب المعنى باللحن حتى يصير كالكفر إن اعتقده صاحبُه، كدعاء مَن دعا أو قراءة مَن قرأ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: ٥] بتخفيف الياء من ﴿إِيَّاكَ﴾، فإن "الإيَا" ضياءُ الشمس، فيصير كأنه يقول: شمسُك نعبُد. وهذا كفرٌ.

ثم قال عن أبي عثمان المازِني إنه قال لبعض تلاميذه: "عليك بالنحو، فإن بني إسرائيل كفرت بحرفٍ ثقيلٍ خفّفوه، قال الله ﷿ لعيسى : "إني ولَّدتُك". فقالوا: إنِّي ولَدتُك. فكفروا (١).

وبإثر هذا ساق الحكاية عن الأصمعي، فمقتضى عطفه هذا الكلام على ما تقدَّم له من ذكر شروط الدعاء أن من جملتها سلامةَ الدعاء من اللحن. فقول


(١) شأن الدعاء، ص ١٩.

<<  <   >  >>