للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"ولما رأى أهل التحقيق البناء على مثل هذه الأصول المحقَّقة الاستقرائية مطَردًا عند الخليل وسيبويه، وغير مطَّردٍ عند الكوفيين، اعتمدوا على قياسهما، واعتمدوا على نقلهما وتحقيقهما، ونِعمًا فعلوا" (١).

"وربما يظُنُّ مَن لم يطَّلع على مقاصد النحويين أن قولهم: شاذ، أو لا يُقاس عليه، أو بعيد في النظر القياسي، أو ما أشبه ذلك، ضعيف في نفسه، وغير فصيح، وقد يقع مثل ذلك في القرآن فيقومون في ذلك بالتشنيع على قائل ذلك، وهم أولى لَعَمرُ اللَّه أن يُشنَّع عليهم، ويُمال نحوهم بالتجهيل والتقبيح" (٢).

فالأكثريُّ معتَبر على كلِّ حال؛ ولذلك تقرَّر أن "القياس في الأمور المجازية سائغٌ إذا كثُرت واطَّردت" (٣)، وهذا - كما تقدَّم ذكره - تابعٌ لمقصد الشارع في اعتباره "العمل العام هو المعتمَد على أيِّ وجه كان، وفي أيِّ محل وقع، ولا يُلتفَت إلى قلائل ما نُقِل، ولا نوادر الأفعال إذا عارضها الأمر العام والكثير" (٤).

ولهذا كادت مضارُّ الاعتماد على القليل الشاذِّ والعملُ وَفْقه في العربية تُشبه مضارَّ الاعتماد على القليل في الشريعة؛ إذ في الشريعة "ينبغي للعامل أن يتحرَّى العمل على وفق الأوَّلين؛ فلا يُسامِح نفسَه في العمل القليل؛ إلا قليلًا وعند لَزِّ (٥) الحاجة ومسَّ الضرورة إن اقتضى معنى التخيير، ولم يَخَف نسخَ


(١) المقاصد الشافية ٥/ ٢٩٤.
(٢) السابق، ٣/ ٤٥٦، ٤٥٧.
(٣) المقاصد الشافية ٤/ ١٥١.
(٤) الموافقات ٣/ ٢٧٢.
(٥) ليست في النشرة المعتمدة، وهي من نشرة (أيت) ٤/ ١٤٢، واللَّزُّ: لزوم الشيء وعدم الانفكاك عنه.

<<  <   >  >>