للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والشذوذات الخارجة عنه، وهذا يعني أن هذا الأكثري قد اعتُمد كليًّا قطعيًّا؛ فأحكامُ النحو الاستقرائية يقينية أو أنها تُفيد غلبة الظنِّ الذي يقوم مقام اليقين والقطع (١)، هذا شأن الأكثري في العربية والشريعة، فإن "الغالب الأكثري معتبَر في الشريعة اعتبار العام القطعي؛ لأن المتخلِّفات الجزئية لا ينتظِم منها كُليٌّ يُعارِض هذا الكُليَّ الثابت، هذا شأن الكليات الاستقرائية، واعتبِر ذلك بالكليات العربية، فإنها أقرب شيء إلى ما نحن فيه؛ لكون كلٍّ من القَبِيلَين أمرًا وضعيًّا لا عقليًّا (٢).

أما القطع بالحُكم الثابت من غير طريق الاستقراء مثل الحُكم الثابت بالقياس والحمل، فالقطع فيه هو القطع بالحُكم في حقِّ القائس، لا القطع بأن الحُكم على هذا في نفس الأمر، ومثاله القطع بحُكم زيادة همزة "أفْكَل"، فهو "إذا سُلِّم إنما هو القطع بالحُكم لا القطع بالزيادة؛ فيهما (٣) فَرقٌ، وبيانُه أن القطع بالزيادة … إذا قال في "أَفْكَل" … إنه "أَفْعَلٌ" على القطع - مُشكِل؛ لإمكان أن يكون له دليل على الأصالة وأن وزنه "فَعْلَل"، لكنا لم نطلِع عليه فلا يتأتى هاهنا.

وأما القطع بالحُكم بالزيادة فلا إشكال فيه؛ لأنا إذا قلنا همزة "أَفْكَل" يُمكن أن تكون في نفس الأمر زائدة أو أصلية، لكن الأكثر في مثلها الزيادة، فنحكُم نحن عليها بالأكثر، ونقطع بهذا الحكم على غير تردُّد حتى يتبيَّن خلافُه، ولا شكَّ أن الأمر عند النحويين كذلك؛ إذ لم يحكُموا في مِثل هذا بالتردُّد، وإنما حكمُوا بالزيادة، ولا يلزم من القطع بالحُكم بالزيادة القطع بالزيادة، ونظيرُ هذا قولهم


(١) المقاصد الشافية ٤/ ٣٢٣.
(٢) الموافقات ٢/ ٨٤.
(٣) كذا في المطبوعة، ولعلها "بينهما".

<<  <   >  >>