للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢]، ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ [الأعراف: ٥٧]، ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٩٩].

[و] جميعُ ما ذكَر للباء عشرة معانٍ: الأول: الاستعانة، وهو قوله: "بِالبَا استَعِنْ" (١)، أي: اجعلها في الكلام لمعنى الاستعانة. وهي في محصول الأمر الباء الداخلة على الآلات، نحو: كتبتُ بالقلم. فالقلمُ آلة يحصُل بها للكاتب الكَتْبُ، وكذلك: ضربتُ بالسَّوط، وقطعتُ بالسكين. ومنه في القرآن: ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ [العلق: ٤]، ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ [الأنفال: ٦٠].

واعلم أنه حيث أثبتَ معنى الاستعانة للباء هنا يلزَمه أحدُ أمرين:

إما أن يُطلِق القول بذلك بالنسبة إلى ما جاء للعباد وما جاء لله ﷿؛ فيلزَم من ذلك أن يُطلِق على الله ﷿ لفظَ الاستعانة، وأنه مستعين، كما أن العبد مستعين، وذلك لا يجوز كما قال في الشرح (٢)؛ فإن الله هو المستعان، وليس بالمستعين.

وإما أن يقال: إن الباء للسببية بالنسبة إلى الله تعالى في نحو ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ [الأعراف: ٥٧]، فيلزَم مثل ذلك فيما كان راجعًا إلى العباد، ويرتفع معنى الاستعانة عن الباء جملة؛ فلا يكون إتيانه به هنا صحيحًا على هذا التقدير، فعلى كلا التقديرين يلزَم المحذور.

والجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه:

أحدها: أن القرآن إنما نزل بلسان العرب على حسب ما يُخاطِب به بعضُهم بعضًا وعلى ما يتعارَفون بينهم، ومن جملة ما تعارفوا؛ أنْ وضعوا الباء تدلُّ على


(١) الألفية، البيت رقم ٣٧٤، ص ١١٦.
(٢) شرح التسهيل ٣/ ١٥٠.

<<  <   >  >>