أن ما دخلت عليه آلةٌ للفعل، وهي التي سمَّاها النحاة المتأخِّرون باء الاستعانة، فإذا جاء في القرآن من خطاب الله للعباد ما هو على ذلك التقرير، فلا نُكْرَ فيه بِناءً على أن كتاب الله أُنزِل على قانون كلام العباد، كما أنه لا نُكْرَ في دخول أداة الترجي في خطاب الله تعالى للعباد في نحو: ﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: ٤٤]، وقوله: ﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٢]؛ بِناءً على جريانه على قانون كلام العباد، فباءُ الآلات التي تُسمَّى في الاصطلاح باء الاستعانة كـ "لعلَّ وعسى" اللتين تُسمَّيان حرفَي ترجٍّ، والترجي والاستعانةُ على الله مُحال.
فإذا قيل: لا يقول ابن مالك: إن "لعلَّ وعسى" للترجي في الآيتين، بل للتعليل.
قيل: فقد قال: إن "لعلَّ" في قوله: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ﴾ [الشعراء: ٣]؛ إنها للإشفاق. ونسبةُ الإشفاق إلى الله ﷿ كنسبة الترجي إليه؛ في أن ذلك عليه مستحيلٌ. فإن قيل: فإن في ذلك الإطلاق إيهامًا فيُجتَنب.
قيل: فكذلك في إطلاق لفظ الترجي والإشفاق، فكما يسُوغ أن تقول في "لعلَّ" مثلًا أنها للترجي أو للإشفاق بإطلاق مع تنزُّه الله عن الاتصاف بهما، فكذلك تقول في الباء: إنها للاستعانة إذا دخلت على الآلات بإطلاق مع تنزُّه الله عن الاستعانة.
والثاني: أن معنى الاستعانة لا يلزَم فيه أن يكون المستعين مفتقِرًا إلى الآلة المستعان بها ولا بُدَّ، بل معنى ذلك إيقاع الفعل بآلة، وقد يكون الفاعل غنيًّا عن الآلة، وقد يكون مفتقِرًا إليها، فلا يكون معنى الاستعانة مفهومًا من هذا الاصطلاح، ولا فرق بين قولك باء الاستعانة. وبين قولك: الباءُ الداخلة على