للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أكرمتُك بإكرامك إياي. فيُعقَل منه أن إكرامه لك علةٌ في إكرامك له لا آلةٌ؛ لأن الإكرام لا يُتوهَّم فيه أنه آلةٌ. وتقول: كتبتُ بالقلم. فيُعقَل منه أن القلم آلةٌ لا علةٌ؛ إذ لا يُتوهَّم أن كتْبك وقَع بسبب القلم، وكذلك تفهم من قوله تعالى: ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ [العلق: ٤] أن القلم آلةُ التعليم، ولا يُفهَم أنه سبب التعليم. وهذا ظاهر.

والثالث: أنا إن سلَّمنا أن ما وقع من ذلك في كلام الله تعالى يجب حملُه على أن الباء معناها السبب، فلا يجب ذلك في كلام العباد، بل نقول: إن قولك: كتبتُ بالقلم، وضربتُ بالسُّوط، وسائر ما تدخُل الباء فيه على الآلات في كلام العباد تُحمَل الباء فيه على ظاهرها من الاستعانة؛ لظهور ذلك المعنى فيها" (١).

ومثال آخر، وهو أن "أَفْعَل" التفضيل المجرَّد من الألف واللام والإضافة "لا يأتي بمعنى اسم الفاعل مجرَّدًا من معنى "مِنْ" جملةً قياسًا أصلًا، خلافًا للمُبرِّد القائل بأنه جائزٌ قياسًا، فيجوز عنده أن تقول: زيدٌ أفضلُ. غيرَ مقصود به التفضيل على شيء، بل بمعنى فاضل وزعم أن معنى قولهم في الأَذَان وغيرِه: اللهُ أكبرُ: الكبير؛ لأن المفاضلة تقتضي المشاركة في المعنى الواقع فيه التفضيل، والمفاضلةُ في الكبرياء هاهنا تقتضي المشاركة إن قُدِّر فيه: من كلِّ شيء. ومشاركةُ المخلوق للخالق في ذلك أو في غيره من أوصاف الربِّ تعالى مُحالٌ، بل كلُّ كبيرٍ بالإضافة إلى كبريائه لا نسبة له، بل هو كَلَا شيءَ، وكذلك قال في قوله: ﴿وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧] تقدُيره معنًى: وهو هَيِّن عليه (٢)؛ لأن جميع المقدورات متساوية بالنسبة إلى قُدرة الله، فلا يصِحُّ


(١) المقاصد الشافية ٣/ ٦٢٥ - ٦٣٠.
(٢) المقتضب ٣/ ٢٤٥.

<<  <   >  >>