للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في مقدور مفاضلةُ الهَون فيه على مقدور آخَر، ومنه قوله تعالى: ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ﴾ [النجم: ٣٢]؛ إذ لا مشاركة لأحد بين عِلمه وعلم الله تعالى.

فأما المفاضلة فيما يرجِع إلى الله تعالى فهي بالنسبة إلى عادة المخلوقين في التخاطُب، وعلى حسب توهُّمهم العادي، فقوله: اللهُ أكبُر. معنى ذلك: أكبرُ من كلِّ شيء يُتوهَّم له كِبَرٌ، أو على حسب ما اعتادوه في المفاضلة بين المخلوقين وإن كان كبرياء الله تعالى لا نسبة لها إلى كِبَر المخلوق.

كذلك قوله: ﴿وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧] يريد: على نحو ما جرَت به عادتُكم؛ أن إعادة ما تقدَّم اختراعُه أسهلُ من اختراعه ابتداءً.

وقوله: ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ﴾ [النجم: ٣٢]، أي: منكم حيث تَتوهَّمون أن لكم عِلمًا ولله تعالى عِلمًا، أو على حَدِّ ما تقولون هذا أعلمُ من هذا.

وهي طريقة العرب في كلامها، وبها نزل القرآن فخوطِبوا بمقتضى كلامهم وبما يعتادون فيما بينهم.

وقد بين هذا سيبويه في كتابه حيث احتاج إليه، ألا ترى أنه حين تكلَّم على "لعلَّ" في قوله تعالى: ﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: ٤٤] صرف مقتضاها من الطمع إلى المخلوقين فقال: والعِلم قد أتى من وراء ما يكون، ولكن اذهبَا على طمعِكُما ورجائكُما ومبلغِكُما من العِلم. قال: وليس لهما إلَّا ذاك ما لم يعلَمَا (١).

وهذا من سيبويه غايةُ التحقيق، وكثيرًا ما يذكر أمثال هذا في كتابه" (٢).


(١) الكتاب ١/ ٣٣١.
(٢) المقاصد الشافية ٤/ ٥٨١ - ٥٨٣.

<<  <   >  >>