للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هنا يُعلَم معنى ما قاله المازَرِي في قوله : "كُلُّ مُسكِرٍ خَمْرٌ، وكلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ" (١)؛ قال: "فنتيجةُ هاتين المقدِّمتين أن كلَّ مُسكِرٍ حرامٌ"، قال: "وقد أراد بعضُ أهل الأصول أن يمزُج هذا بشيء من عِلم أصحاب المنطق فيقول: إن أهل المنطق يقولون: لا يكون القياس ولا تصِحُّ النتيجة إلا بمقدِّمتين، فقوله: "كلُّ مُسكِرٍ خَمْر" مقدِّمة لا تنتج بانفرادها شيئًا. قال: وهذا وإن اتفَق لهذا الأصولي هاهنا وفي موضع أو موضعين في الشريعة، فإنه لا يستمِرُّ في سائر أقيستها، ومعظمُ طُرُق الأقيسة الفقهية لا يُسلَك فيها هذا المسلك، ولا يُعرَف من هذه الجهة، وذلك أنا مَثَلًا لو علَّلنا تحريمَه التفاضلَ في البُرِّ بأنه مطعوم كما قال الشافعي، لم نقدِر أن نعرِف هذه العلة إلا ببحث وتقسيم، فإذا عرفناها؛ فللشافعي أن يقول حينئذ: كلُّ سفرجلٍ مطعومٌ، وكلُّ مطعومٍ ربوي؛ فتكون النتيجة: السفرجل ربوي.

قال: "ولكن هذا لا يُفيد الشافعي فائدة؛ لأنه إنما عرَف هذا وصحةَ هذه النتيجة بطريقة أخرى، فلما عرَفها من تلك الطريقة أراد أن يضَع عبارة يُعبِّر بها عن مذهبه؛ فجاء بها على هذه الصيغة".

قال: "ولو جاء بها على أيِّ صيغة أراد - مما يؤدي عنه مُرادَه - لم يكن لهذه الصيغة مزيَّةٌ عليها".

قال: "وإنما نبَّهنا على ذلك لما ألفَينا بعض المتأخِّرين صنَّف كتابًا أراد أن يرُدَّ فيه أصولَ الفقه لأصول علم المنطق".


(١) أخرجه بهذا اللفظ مسلم (٢٠٠٣).

<<  <   >  >>