للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

يجعلَ القائمَ قاعدًا، ولا القاعدَ قائمًا، ولا المؤمنَ كافرًا، ولا الكافرَ مؤمنًا، ولا المطيعَ عاصيًا، فمذهبُهم يتضمَّنُ تعجيزَ الربِّ، وإخراجَ كلِّ ما يكون من أفعال العباد أو الحيوان عن مُلكه وعن قُدرته وعن مشيئته، وكفى بهذا ضلالًا مُبينًا.

ونصوصُ الكتابِ ظاهرةُ الدلالةِ في الردِّ عليهم، قال اللهُ تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (٢٥٣)[البقرة]، وقال سبحانه: ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [النحل: ٩٣]، وقال: ﴿اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (٤٠)[آل عمران]، فهو ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (١٠٧)[هود]، ﴿وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ﴾ [الرعد: ٤١]، ولا رادَّ لقضائه.

وهؤلاء القدريَّة النُّفاة، هم الذين جاءت الآثارُ فيهم بأنهم مجوسُ هذه الأمة (١)، فهم مُشَبَّهُون بالمجوس الذين يجعلون الخلقَ راجعًا إلى أصلين: النُّورِ والظُّلمةِ: إلهِ الخيرِ وإلهِ الشرِّ.

أمَّا الطائفةُ الثانيةُ: الجبريةُ، ورأسُ الجبرية: جَهمُ بنُ صفوان؛ فإنَّه جمع بين ثلاث بدعٍ كبرى: وهي: الإرجاءُ الغالي، والتعطيلُ لأسماء الربِّ وصفاتِه، والجبرُ (٢)؛ وهو أنَّ العبدَ مجبورٌ على أفعاله، ليس له اختيارٌ ولا مشيئةٌ، فحركاتُ النَّاسِ كحركةِ الأشجارِ، وحركةِ الريشةِ في مهبِّ الريحِ، وحركةِ المرتعش؛ حركات لا إرادية بزعمهم.


(١) تنظر هذه الأحاديث والآثار في: السنة لابن أبي عاصم (١/ ١٤٤)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (٤/ ٧٠٧).
(٢) ويسميها ابن القيم «الجيمات» ويعني: جيم الجبر، وجيم الإرجاء، وجيم التجهم. ينظر: الكافية الشافية (٢/ ٦١٤).

<<  <   >  >>