للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولا يقوم الكلام به، وهذا مع أنه باطل في الشرع فهو مخالف للعقل، فمن الباطل عقلًا أن يُوصف شيءٌ بكلامٍ لم يقم به، فلا يقال: إنَّه متكلِّم بكلامٍ قام بغيره، فهذا غيرُ معقول، وإنَّما يُضاف الكلام إلى من قام به الكلام، ولا يقال لشيءٍ إنَّه متكلِّمٌ إلَّا بكلامٍ قام به، فلا يوصَف أحد بكلامٍ قام بغيره، وعلى مذهب المعتزلة إذا قيل: إنَّ اللهَ تعالى متكلِّمٌ؛ فالمعنى: أنه يخلقُ كلامًا لا يقول كلامًا، والقرآنُ عندهم كلامُ اللهِ مخلوقٌ من جملة المخلوقات فإضافته إليه إضافة مخلوق إلى خالقه كإضافة البيت والناقة، وليس هو كلامًا تكلم الله به، وقام به، فالكلامُ على قولهم ليس صفةً قائمةً به سبحانه عما يقول الظالمون والجاهلون علوًا كبيرًا.

أمَّا أهلُ السنَّةِ، فيقولون إنَّ: «القرآنَ كلامُ اللهِ مُنزَّلٌ غير مخلوقٍ، منه بدأَ وإليه يعود … وهو كلامُ اللهِ حروفُه ومعانيه، ليس كلامُ اللهِ الحروفَ دون المعاني، ولا المعانيَ دون الحروف» (١).

فاللهُ تكلَّمَ بالقرآن حقيقةً وأَنزله من عنده، قال تعالى: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١)[الزمر]، وقال سبحانه: ﴿تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٢)[فصلت]، وقال: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ﴾ [النحل: ١٠٢]، فابتداءُ نزولِ القرآنِ من الله، لا مِنْ سواه سبحانه، واللهُ هو المتكلِّمُ به ابتداءً ليس غيره.

ولهذا قال الناظمُ: (كلام مليكنا)، فنفى عنه الخلقَ، وأضافه إلى قائله سبحانه.


(١) قاله ابن تيمية في العقيدة الواسطية (ص ٨٩ - ٩٠).

<<  <   >  >>