للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقوله: (التي أتَتْ عَنْ رَسُولِ اللهِ): صفةٌ توضيحيةٌ، والنعتُ قد يأتي صفة مُؤسِّسَة، وهي التي يكون لها مفهومٌ، يُقصد به الاحتراز من شيءٍ آخرَ، وأحيانًا يأتي لمحضِ التوضيح؛ كقول النَّاظم هنا: (التي أتَتْ عَنْ رَسُولِ اللهِ)، فهو لِمَا قال: (ودِنْ بكتابِ اللهِ والسُّننِ) يتبادرُ إلى فهم المسلمِ أنَّ المرادَ سُننُ رسولِ الله ، لكن جاء قوله: (التي أتَتْ عَنْ رَسُولِ اللهِ) زيادةُ توضيحٍ، والمقصودُ بقوله: (أتَتْ): جاءت عن رسول الله وثبتت بصيغةِ الجزمِ، ولهذا لم يقل: السُّننِ التي رُويت، أو نحو هذا، فهناك فرقٌ بين: أتت ورُوِيَت؛ لأنَّ نسبةَ الحديثِ إلى رسول اللهِ إمَّا أن تكون بصيغةِ الجزمِ، أو بصيغةِ التمريضِ المشعرةِ بالضَّعْفِ، فلا يجوز أن تقول: قال رسولُ الله، أو: ثبت عن رسول الله إلَّا فيما صحَّ، وقد تكون لفظةُ «جاء» أو «أتى» أقلَّ في الجزم، لكن «رُوي»، و «ذُكر» ونحوهما يُسمونها صيغةُ تمريضٍ، فيقولون: يُذكَرُ عن النبيِّ ، ورُويَ عن النَّبيِّ ، ليُشعِروا بالضَّعف، والرسولُ المرادُ به: محمدٌ ، وإذا أُطلِق الرسول أو رسولُ اللهِ في كلام المسلمين؛ فالمراد: محمَّد خاتم النبيين.

والفرقُ المشهورُ بين النبيِّ والرسولِ: أنَّ النبيَّ مَنْ أُوحيَ إليه بشرعٍ ولم يؤمرْ بتبليغِه، والرسولُ: مَنْ أُوحيَ إليه بشرعٍ وأُمرَ بتبليغِه (١).

وهذا الفرقُ على شهرته غيرُ مُستقيمٍ، فإنَّ وصفَ النبيِّ بما ذُكر يقتضي أنه لا يُعَلِّمُ ولا يأمرُ ولا ينهى ولا يُبلِّغُ، وهذا غيرُ صحيحٍ، بل الأنبياءُ أرسلهم اللهُ يحكمون بين النَّاس، ويُعلِّمونَ النَّاسَ، ويأمرونهم


(١) ينظر: شرح الطحاوية لابن أبي العز (١/ ١٥٥).

<<  <   >  >>