فأهلُ السنَّةِ والجماعةِ مُتَّفقون على إثبات اليدين للهِ على ما جاء في القرآن وفي السنَّة، وأنكرت الجهميةُ ذلك على أصلهم في نفي صفاتِ اللهِ كلِّها، وكذلك المعتزلةُ ووافقتهم الأشاعرةُ في نفي أكثر الصفات، واليدان من الصفات التي تنفيها الأشاعرةُ، فيقولون: ليس لله تعالى يدان. ثم يختلفون فمنهم مَنْ يُفوِّض النصوصَ، ويقول: هذه النصوصُ اللهُ أعلمُ بمراده منها، لا نُفسِّرُها، ولا نفهمُها، ولا نتدبَّرُها، ولا نُفكِّرُ فيها، ولا يمكن أحدًا أن يفهمَ منها شيئًا، وهؤلاء هم المفوِّضةُ من الأشاعرة.
ومن العجب أنَّهم يزعمون: أنَّ رسول الله ﷺ لا يعلم معاني هذه النصوص؛ ولهذا يُسميهم شيخُ الإسلام أهلَ التجهيل (١)؛ لأنهم يُجهِّلون الرسولَ ﷺ، ويُجهِّلون الصحابةَ ﵃، فقول الله تعالى: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ﴾ [الرحمن: ٢٧]، وقوله تعالى: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة: ٦٤]، كلُّ ذلك غيرُ مفهومِ المعنى عندهم، فلا الرسولُ ﷺ يعلمُه ولا الصحابةُ ﵃ تعرفه، وهذا ضلالٌ مبينٌ.
فكلُّ ذلك ليَسلمَ لهم باطلُهم؛ وهو تعطيلُ الصفاتِ عن الله، تعالى اللهُ عن قولهم علوًا كبيرًا.
ومن الأشاعرة مَنْ يؤول الصفات التي ينفونها فيُفسِّرُ اليدَ بالقدرةِ أو النعمةِ، ويقول: إنَّ اللهَ خلقَ آدمَ بقدرته. فهل لآدم مزيَّةٌ على سائر الخلق على هذا التقدير؟ الجواب: ليست له خصوصيةٌ، فاللهُ خلق كلَّ شيءٍ
(١) ينظر: درء التعارض (١/ ١٥)، والتوضيحات الجلية في شرح الفتوى الحموية (ص ٢٤٨).