الطائفةُ الأولى: القدرَّيةُ النُّفاة، الذين نفوا القدر، وهم صنفان: غلاةٌ، ومتوسطون.
فأمَّا غُلاتهم فنفوا كلَّ هذه المراتب، وزعموا أنَّ اللهَ لم يعلم أفعالَ العبادِ قبل أن تُخلق، وقالوا: إنَّ الأمرَ أُنُف؛ أي: لم يسبق به علمٌ ولا كتابٌ.
وهؤلاء هم غُلاةُ القدريةِ، وهم قُدماؤهم، فهم ينفون العلمَ، والكتابَ، وعمومَ المشيئةِ، وعمومَ الخلقِ، فأفعالُ العبادِ عندهم لم يسبقْ بها علمُ اللهِ ولا كتابُه، ومُقتضى قولِهم: أنَّ اللهَ لا يعلم الأشياءَ إلَّا بعد وقوعِها، وبالضرورة أنَّه لم يسبق به كتاب، وأنَّ أفعالَ العبادِ تقع خارجةً عن مشيئته، بل يقولون: إنَّ كلَّ ما له إرادةٌ كالحيوان؛ فأفعاله خارجةٌ عن مشيئةِ اللهِ وقدرتِه وخلقِه، ولا هي داخلةٌ في ملكه ﷾؛ فهذا سبيلُ القدريةِ الغُلاة.
والقدريةُ النفاةُ متَّفقون على نفي عمومِ المشيئة وعمومِ الخلق (١)، فأفعالُ العبادِ بزعم القدريةِ النُّفاةِ كلِّهم لا تتعلَّقُ بها مشيئةُ الربِّ، فعندهم أنَّ ما يجري من أفعال النَّاس، كلّ ذلك ليس إلى الله، واللهُ لا يقدر أن