للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طلب القرشيين، وأعلن إسلامه وحمى المسلمين في بلاده.

وقد مرَّ معنا قصة جعفر - رضي الله عنه - ورفضه للسجود للملك النجاشي قائلاً: لا نسجد إلا لله، ثمَّ محاورته - رضي الله عنه - للملك، وقد أخذ بسرد أركان الإسلام، وما تميَّز به، وما أُرسل به محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - بوجازةٍ وإتقان، وكان من جملة ما بيَّنه - رضي الله عنه -، عقيدة المسلمين في عيسى عليه السلام وأنَّه روح الله وكلمته، أخرجه من البتول العذراء مريم التي لم يقربها بشر.

فأقرَّ النجاشي جعفراً - رضي الله عنه - بعقيدته في عيسى عليه السلام، وكان آخر ما قال في هذه المحاورة: «مرحبا بكم و بمن جئتم من عنده، فأنا أشهد أنه رسول الله، و أنه الذي بشر به عيسى ابن مريم، ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أحمل نعليه، امكثوا في أرضي ما شئتم، وأمر لهم بطعام وكسوة» (١).

لئن كان النجاشي مَلكاً، فقد كان جعفرا مَلكاً باعتزازه بالإسلام، فهو مَلك يدعو إلى الآخرة، يدعو إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.

وبين مَلك الدنيا والآخرة شتّان، فربّما وجد النجاشي في جعفر - رضي الله عنه - شخصيّة الرجل الذي يبحث عنه. فأُعجب بخلقه وبدعوته، فأسلم منقادا ومذعناً لشهادة أن لا إله إلا الله. معلناً تَبرُّءَه من كل ما يُعبد من دون الله.


(١) أخرجه أبو داود (٢/ ٢٣٠)، رقم (٣٢٠٥) وسكت عنه «وقد قال في رسالته لأهل مكة ص ٢٨: ما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح، وبعضها أصح من بعض»، وعبد بن حميد (٥٥٠)، والحاكم (٢/ ٣٣٨) وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه» ووافقه الذهبي في التلخيص، قال البيهقي في دلائل النبوة (٢/ ٢٩٩) «إسناده صحيح»، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (٦/ ٣٢): «رجاله رجال الصحيح»، قال الألباني في أحكام الجنائز (١١٧): «إسناده صحيح»، قال الألباني في صحيح السيرة النبوية (١٦٥) «وهذا إسناد جيد قوي»، وقال الوادعي في صحيح دلائل النبوة (١٠٤) «صحيح ورجاله رجال الشيخين».

<<  <   >  >>