كان جعفر - رضي الله عنه - كريماً على المساكين، فقد كان - رضي الله عنه - يحب المساكين، وكان المساكين يحبون جعفر - رضي الله عنه -، فهو حب متبادل، فلم يكن جعفر يتردد في بذل كل ما لديه في سبيل إسعادهم، ممّا أكسبه لقب أبي المساكين.
فها هو أبو هريرة - رضي الله عنه - وهو من أهل الصفة ومن فقراء المسلمين الذين كان ليس لهم مصدر دخلٍ ولا قوت ولا طعام إلا ما يكون من الغنائم في الجهاد، وما يكون من إكرام المسلمين وهداياهم وصدقاتهم لهم- يحدثنا عن كرم جعفر - رضي الله عنه - مع المساكين، إنه ليس كرماً عادياًّ، إنه كرم مأخوذ من مدرسة المصطفى - صلى الله عليه وآله وسلم -، فجعفر هو الذي أشبه خُلقه خُلق رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: «أن الناس كانوا يقولون: أكثر أبو هريرة، وإني كنت ألزم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بشبع بطني حين لا آكل الخمير ولا ألبس الحبير ولا يخدمني فلان ولا فلانة وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع، وإن كنت لأستقرئ الرجل الآية هي معي كي ينقلب بي فيطعمني، وكان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب، كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته حتى إن كان ليخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيء فنشقها فنلعق ما فيها»(١).
فمن شدة كرمه - رضي الله عنه - أنه كان يكسر جراراً للعسل حتى يلعقوا ما فيها.
فهو - رضي الله عنه - وأرضاه يعطي ما عنده لا يستبقي شيئاً قليلاً كان أو كثيراً.
(١) أخرجه البخاري (٥/ ٢٤) (٣٧٠٨)، وفي (٧/ ١٠٠) (٥٤٣٢).