للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتروي لنا أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هذا الحدث فتقول: (لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار: النجاشي، آمنا على ديننا وعبدنا الله لا نؤذى ولا نسمع شيئاً نكرهه، فلما بلغ ذلك قريشاً ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين (١)، وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف (٢) من متاع مكة، وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم (٣)، فجمعوا له أدماً كثيراً ولم يتركوا من بطارقته (٤) بطريقاً إلا أهدوا له هدية، ثم بعثوا بذلك مع عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي وعمرو بن العاص بن وائل السهمي (٥)، وأمروهما أمرهم، وقالوا لهما: ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم، ثم قدِّموا للنجاشي هداياه، ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم، قالت: فخرجا فقدما على النجاشي ونحن عنده بخير دار وعند خير جار، فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي، ثم قالا لكل بطريق منهم: إنه قد صبا (٦) إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردهم إليهم، فإذا كلمنا الملك فيهم فتشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم، فإن قومهم أعلى بهم عيناً وأعلم بما عابوا عليهم، فقالوا لهما: نعم.

ثم إنهما قرَّبا هداياهم


(١) جلدين: قويين.
(٢) يُستطرف: يُستحسن.
(٣) الأدم: الجلود وهو أسم جمع.
(٤) البطارقة: جمع بطريق وهو القائد أو الحاذق في الحرب.
(٥) كانت هذه القصة قبل إسلام عمرو بن العاص - رضي الله عنه -.
(٦) صبا: إرتدوا عن دينهم.

<<  <   >  >>