للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما حقق في نعم الكفار أيضًا في هذه الدار، ولولا نعمة وجودهم المسببة عن رحمته لفنوا بالكلية، وهو وإن كان قد يقال: إنه نعمة في حقهم، لكن يفوت كونها نعمة في حق غيرهم، وأيضًا لم يظهر كمال مظاهر الجلال إلا بوجودهم في النار؛ مقابلة لمظاهر الجمال بوجود أهل الجنة فيها، ولما كان مقتضى الجلال أن يعدمهم ويفنيهم وغلب الجمال في أن يبقيهم، ظهر معنى الحديث القدسي والكلام الأنسي: "غلبت رحمتي غضبي"، كما أن العدم السابق كان موجبًا لرحمة بعض الخلق، ولذا جاء في رواية: "سبقت رحمتي غضبي"، والله أعلم بدقائق الحقائق.

(أنت ترحَمُني) أي: حيث لا راحم في الحقيقة إلا أنت، (فارحمني برحمة) أي: عظيمة، (تغنيني) من الإغناء، وهو مرفوع بإثبات الياء، أي: تجعلني غنيًّا أنت (بها) أي: بسببها (عن رحمة من سواك) والمقصود من الدعاء: الرحمة التي هي بلا واسطة مخلوق، وإلا فالرحمة الحاصلة من غيره ليست حاصلة من سوى رحمته.

وأما ما في بعض النسخ من جزم: "تُغنني"، بحذف الياء على جواب الأمر، ولزوم أن يكون الضمير للرحمة مجازًا، فلا يصح؛ لأنه يمنع من صحته وجود لفظ "بها" المتفق عليه في جميع النسخ، وأما على الخطاب فيصح كما لا يخفى.

(مس، مر) أي رواه: الحاكم، وابن مردويه - وفي نسخة برمز "الراء"

<<  <  ج: ص:  >  >>