للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال له النبي : ما حبسك؟ قال: مررت بفاطمة تطحن والصبي يبكي، فقلت لها: إن شئت كفيتك الرَّحَى وكفيتيني الصبي، وإن شئت كفيتك الصبي وكفيتيني الرَّحَى؛ فقالت: أنا أرفق بابني منك، فذاك حبسني، قال: فرحمتها رحمك الله" (١).

فإن قلتَ: فكيف ما رحمها مع أنها من رَحِمِهِ، وهو نبي الرحمة، ورحمة للعالمين؟ قلتُ: عدم رحمة الدنيوي عليها من كمال رحمة الأخروي لها، وهو نظير ما يفعل الله تعالى بعباده الصالحين من الفقراء والمساكين، مع أنه أرحم الراحمين حيث يمنع الدنيا عن المؤمن، كما تمنع الوالدة الشفيقة الماءَ من ولدها المريض المضر في حقه كثرة الماء.

فالمنح الدنيوية غالبًا هي المحن الأخروية وبالعكس، قال تعالى: ﴿وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ [الأعراف: ١٤١]، فقد جاء البلاء بمعنى النعمة والمحنة؛ بناء على أن البلاء بمعنى الاختبار، قال تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء: ٣٥].

فيجب عليك الفرق في الفتنة بين المحنة والمنحة؛ فإن مادتها متحدة، وهيئتهما متقاربة، وصورتهما متشاكلة، لا يفرق بينهما إلا كامل العقل تام التمييز، البالغ مبلغ الرجال، وهو الذي [خرج عن] (٢) منيه، لا من


(١) أخرجه أحمد (٣/ ١٥٠) وإسناده ضعيف لانقطاعه عمار وهو ابن عمارة لم يدرك أنسًا وهذا الحديث مما تفرد به الإمام أحمد.
(٢) كذا في (أ) و (د)، وفي (ب): "خرج عن"، وفي (ج): "خرج من".

<<  <  ج: ص:  >  >>