ولا يبعُد أن يقال: إن جُعِلَتْ ﴿مِنَ﴾ تبعيضية فرُوعي فيها ألفاظها، وإن جُعِلَتْ تَبْيينِيَّة فاعتبر معانيها، وبهذا يجمع بين الآية والحديث، لا سيما وقد ورد في "الصحيح": "أنه ﷺ فسر الآية به".
وحينئذٍ لا يرد أن المثاني أطلقت على جميع القرآن في قوله تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ﴾ [الزمر: ٢٣]؛ لاقتران آية الرحمة بالعذاب، أو لتكرار القصص والأحكام، وتبيين الحلال والحرام.
ثم قيل:"وإنما قال ﷺ: "أعظم سورة" اعتبارًا بعظمة قدرها، وكثرة أجرها، وتفردها بالخاصية التي لا يشاركها فيها غيرها، ولاشتمالها على معانٍ كثيرةٍ في ضمن مبانٍ يَسيرةٍ.
قال المصنف: "قوله: "الفاتحة أعظم سورة من القرآن"، وقوله في آية الكرسي:"أعظم آية، وسيدة آي القرآن"، وما جاء في فضل سورة الإخلاص = يدل على عظمها وفضلها في نفسها، وهذه مسألة اختلف الأئمة فيها، وهي أنه: هل يجوز تفضيل بعض القرآن على بعضٍ؟
فمنع ذلك أبو الحسن الأشعري وأبو بكر الباقلاني وجماعة من الفقهاء والأصوليين، وتأولوه بمعنى عظيم وفاضل ونحوه؛ لأن فضل بعضه يقتضي نقص المفضول، وليس في شيء من كلام اللهُ نقصٌ. وأجاز ذلك أبو إسحاق بن راهويه وجماعة، واختاره ابن عبد السلام بمعنى: أن الثواب المتعلق بها أكثر.