والحاصل: أنهما رويا عن ابن عباس: "أن رسول الله ﷺ لما قدم مكة أبى أن يدخل البيت وفيه آلهة، فأمر بها فأخرجت، فأخرج صورة إبراهيم وإسماعيل ﵉ في أيديهما الأزلام، فقال النبي ﷺ: قاتلهم الله؛ لقد علموا أنهما ما استقسما قط، ثم دخل البيت فكبر في نواحي البيت، وخرج ولم يصل فيه" رواه البخاري وأبو داود، ولفظ أبي داود:"فكبر في نواحيه وفي زواياه".
قال ميرك:"الصحيح أن دخول النبي ﷺ الكعبة كان في فتح مكة" وقال بعضهم: "في حجة الوداع" قلت: الأصح أنه دخل عام الفتح، ويحتمل أنه دخل عام الوداع أيضًا. نعم، سيأتي في رواية أسامة:"أنه ﷺ لما دخل البيت صلى"، والمُثْبِتُ مُقَدَّم عَلَى النَّافِي، مع أن حديث أسامة متفق عليه، وأسامة أضبط وأعلم بالقضية من ابن عباس؛ لكونه صغيرًا، وأيضًا: لم يكن معه ﷺ حال الدخول (١).
(ويدعو في نواحيه كلها، فإذا خرج ركع) أي: صلى (في قُبُل البيت) بضم القاف والموحدة وقد تسكن، أي: مقابل البيت، أو ما استقبلك منه وهو وجهه.
قال التوربشتي:"المراد الجهة التي فيها الباب" قلت: المشهور عند أهل مكة أنه ﷺ صلى في الموضع الذي يقال له: المعجنة. وأيضًا يقال له: مقام جبريل ﵇. حيث أمَّ بالنبي ﷺ فيه خمس صلوات في يومين لتعليم أوائل الأوقات وأواخرها، (ركعتين) أي: وقال: "هذه القبلة" كما في
(١) وللجمع بين القولين انظر "فتح الباري" (٣/ ٤٦٨ - ٤٦٩).