للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الغرفة، وإذا أَفِيقٌ (١) معلَّقٌ، قال: فابتدرتْ عيناي، قال: ما يبكيك يا ابن الخطَّاب؟ قلت: يا نبي الله، وما لي لا أبكي، وهذا الحصير قد أثَّر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى, وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، وأنت رسول الله وصفوته، وهذه خزانتك؟ فقال: «يا ابن الخطَّاب، ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟ » قلت: بلى (٢).

ويُروى أن معاوية حاور الحسين بن عليٍّ عليهما السلام في شأن يزيد، فقال (٣): إن أباه حاكم أباك إلى الله عزَّ وجلَّ، فحكم لأبيه على أبيك.

وقال الشاعر ــ أظنُّه كُثيِّرًا ــ:

وإني لذو حظٍّ لئن عاد وصلُها ... وإني على ربِّي إذًا لكريم (٤)

وهكذا زعمُ المشركين أن الرسالة أعظم من الألوهيَّة أمرٌ معروفٌ، ولذلك يؤلِّهون الجمادات، ويستبعدون أن يكون الرسول إلَّا من الملائكة, وقد مضى طرفٌ من هذا في شأن قوم نوحٍ (٥).

وأما ما قدَّمناه من أن فرعون شرع لقومه أنهم يعبدونه وهو يعبد الملائكة، فالبرهان عليه قول الله عزَّ وجلَّ: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ [٤٥٢] مُوسَى


(١) بفتح الهمزة وكسر الفاء، وهو الجلد الذي لم يتمَّ دباغه. انظر: شرح النوويِّ على صحيح مسلمٍ ١٠/ ٨٣.
(٢) صحيح مسلمٍ، الموضع السابق، ٤/ ١٨٩، ح ١٤٧٩. [المؤلف]
(٣) أي معاوية رضي الله عنه، وقوله: أباه، هو معاوية نفسه.
(٤) البيت في ديوان كثيِّر عزَّة ١٢٨، وفيه: «وإني لذو وَجْدٍ»، بدل: «وإني لذو حَظٍّ». وكذا هو في الأغاني ١٢/ ٢٢٣، ومنتهى الطلب من أشعار العرب ٤/ ١٢٦.
(٥) انظر ص ٤٤٣ - ٤٤٤. وانظر ص ٦٣٦.