للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الأعراف: ١٢٧].

نصَّت الآية على أنه كان له آلهةٌ، وأما هم فقد قال لهم: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: ٣٨]، وقراءة مَن قرأ: (وإلاهتك) (١) ــ إن صحَّت ــ لا تدفع ما تقدَّم، بل هو معنىً آخر لا يدفع معنى القراءة المجمع عليها، ومَن زعم أن المراد بآلهته أصنامٌ على صورته كان أَمر قومَه بعبادتها، فقد أبعد؛ لأنها لا تكون آلهته، بل تكون آلهةً لقومه، وذلك مخالفٌ لقوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}.

فقولهم: {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} من باب الترقِّي، أي: يذر أن يعبدك، بل ويذر أن يعبد معبوداتك، ويترقَّى إلى عبادة معبود معبوداتك، فهو يترفَّع أن يعبدك، بل ويترفَّع (٢) أن يساويك، ولا يقنع إلا بمساواة آلهتك.

والحاصل: أن فرعون أقام نفسه مقام الأصنام ــ كما مرَّ عن الملل والنحل (٣) ــ، فكما أن أهل الأصنام يعبدونها تقرُّبًا إلى الملائكة بدون أن يثبتوا لها قدرةً تنافي كونها جمادًا، فكذا فرعون شرع لقومه أن يعبدوه تقرُّبًا إلى الملائكة بدون أن يثبت لنفسه أو يثبتوا له قدرةً تزيد على كونه إنسانًا.

وفي فهرست ابن النديم عند ذكر ديانات أهل الهند: «ومنهم أهل ملَّةٍ يُقال لها: الراجمرتيَّة، وهم شيعة الملوك، ومن سننهم في دينهم [٤٥٣]


(١) انظر: البحر المحيط ٤/ ٣٦٧.
(٢) في الأصل: (يترفك)، وهو سبق قلمٍ.
(٣) انظر ص ٦٩٤.