اكتفاءً بما صدر مني فيما مضى من كتاب "المغني في ضبط الرجال".
وبدهي أن شرح الغريب لا يتم للناظر في الكتاب إلا إذا استوثق بضبطه، فالمستقي من هذا البحر الزاخر المواج لا يشفي غليله حق شفاء إلا إذا جعل بينه وبين هذا البحر ذاك النهر العذب الفرات، المسمى بـ"المغني"، وهذا الذي اضطر المؤلف أن يجعل في خاتمة "المجمع" نوعًا برأسه في ضبط بعض أسامي الرواة على وجه الكلية ملخصًا من كتاب "المغني".
[احتياج المغني إلى تحقيق جديد]
هذا، وقد طبع الكتاب أول مرة سنة ١٢٩٢ هـ من المطبع الفاروقي بالهند، ثم خرجت منه طبعات عديدة في الهند وخارجها؛ ولكن أكبر رزية من رزايا العلم كثرة الخطأ والتصحيف والتحريف؛ حتى إن كتابًا مثل "المغني" يتصدى لصيانة المجتمع العلمي عن الوقوع في معرة الخطأ والتصحيف والتحريف لم يسلَم من هذه البلية، فأصيب في سائر طبعاته بأنواع من الأخطاء والتحريفات التي قد بعَّدَتْها عن موضوعها، وكادت تُضِلُّها عن هدفِ المؤلف من تأليفه؛ حتى قال بعضهم:"عاد على موضوعه بالنقض"، و لتلك التصحيفات المطبعية أسباب عديدة:
منها: تقارب صور بعض الحروف، والكلمات؛ وقَلَّ من يهتدي إلى ذلك.
ومنها: غفلة النساخين في الكتابة مما أفسد غالبية المخطوطات، فإذا لم يُعتنَ بالتصحيح قبل طبع الكتاب يأتي المطبوع أكثر، وأفحش غلطًا مما كان في المخطوطة.
ومنها: زلقات قلم المؤلف نفسه لأسباب طارئة، فكثيرًا ما نجد في عبارات المدققين والفضلاء المتقنين أخطاء ظاهرة، ولكنها إما لسرعة الكتابة، أو القراءة، أو النظر العارض، أو شرود الذهن، لا ينتبهون إليها، ويقرؤونها في أنفسهم صحيحة، ولا يسلم من ذلك أيُّ كتاب بشري مهما سما قدره وقدر مؤلفه كما هو مشاهد، معاين، ولا يحط ذلك من قيمة الكتاب العلمية، فما هذا من المؤلف للجهل، وإنما هذا من سبق الذهن، والقلم، وقراءة الإنسان ما في نفسه من المعلومات؛ لا ما في منظوره، وأيضًا: فالفكر يذهب، والقلب يسهو، والفهم عرَض يطرأ، ويزول، والحفظ يضعف ويقوى،