للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من إشكاله، (لا ما يُفهَم) بدون شكل ولا نقط؛ فإنه تشاغلٌ بما غيرُه أولى منه.

(وقيل): بل ينبغي الشكل والإعجام للمكتوب (كلّه) أشكَل أم لا، وصوَّبه عياض (لأجل ذي ابتداء) في الصنعة والعلم ممن لا يعرف المؤتلف والمختلف وغيرهما من السند والمتن؛ لأنه حينئذ لا يميز المشكل من غيره، ولا صواب وجه الإعراب للكلمة من خطئه، وأيضًا قد يكون واضحًا عند قوم مشكلًا عند آخرين، وربما يظن هو لبراعته المشكل واضحًا، بل وقد يخفى عنه الصواب بعد.

(و) لكن (أكدوا) أي الأئمة من المحدثين وغيرهم ضبط (ملتبس الأسماء) لا سيما الأسماء الأعجمية، والقبائل الغريبة لقلة المتميزين فيها بخلاف الإعراب، ولأنها -كما قال أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله النجيرمي- أولى الأشياء بالضبط؛ لأنها لا يدخلها القياس، ولا قبلها ولا بعدها شيء يدل عليها. انتهى ملخصًا من فتح المغيث. وكلام السخاوي هذا كافٍ لإثبات أهمية علم الضبط.

[أثر الإخلال بالضبط]

على أن التهاون أو الإخلال بالضبط ربما يورث نتائج هائلة سجل بعضَها التأريخ، فيقول الحافظ السيوطي: قد قيل: إن النصارى كفروا بلفظة أخطؤا في إعجامها وشكلها، قال الله في الإنجيل لعيسى: "أنت نبيِّي، ولَّدتُك من البتول"، فصحفوها، وقالوا: "أنت بُنَيَّ وَلَدْتُك" مخففًا.

وقيل: أول فتنة وقعت في الإسلام سببها ذلك أيضًا، وهي فتنة عثمان -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فإنه كتب الذي أرسله أميرًا إلى مصر: "إذا جاءكم؛ فاقبلوه"، فصحفوها: "فاقتلوه"، فجرى ما جرى.

وكتب بعض الخلفاء إلى عامل له ببلد: "أن أحص المخنثين". أي بالعدد، فصحفها بالمعجمة، فخصاهم. انتهى من التدريب.

[اعتناء العلماء بالضبط]

لذلك نرى العلماء القدامى حراصًا على الاعتناء بضبط ملتبس الكلمات، ولا سيما ملتبس الأسماء؛ فإن مظنة الخطأ فيها أقوى وأكثر من غيرها من الألفاظ اللغوية والفقهية. فممن كان يحض على الضبط حماد بن سلمة وعفان كما حكاه عنهما القاضى

<<  <   >  >>