للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

الحمد لله الذي فضّل بني آدم بتعليم الأسماء، وشرّفهم بتشريف الارسال والاصطفاء، واصطفى بعضهم ليميز الرائج من الكاسد من العلماء والأصفياء، وبعث إليهم الرسل والأنبياء، صلوات الله عليهم أجمعين، وختمهم بأشرفهم دِينًا، وأمتنهم حجة وأوضحهم بيانًا، فبين طريق الحق بجواهر نظمه، وبحر علومه ولججه، وأزاح شبهات أهل الزيغ ببواهر حججه، وجعل صحبه كالنجوم مبلغين ما نطق، وأتباع صحبه التابعين بالإحسان ناقلين ما فتق، فرضي الله عنهم أجمعين، ثم إنه تدرج في الناقلين من ليس منهم فخلطوا بالحق ما ليس منه، فمنَّ الله تعالى بتوفيق الأئمة الأعلام أن يميِّزوا غير الأهل عنه بكشف أحوالهم من مولدهم ومماتهم، وتعيين منشأهم ومعاشهم، وضبط أسمائهم، إذ به ينكشف حال ما نقلوه من صحة أو سقام، ويفتضح العوار فيما بلّغوه في كل حال ومقام، فلابد للطالب من خدمة (١) الحديث أن يخدم العلم الكافل بذلك، فلذا اعتنى السلف الصالح لما هنالك، حتى صنّفوا في الجرح والتعديل، والمشتبهات والمختلفات ما إن مفاتحه لتنوء بعُصبة أولي قوة شديد، وقال النووي: لكنَّ (٢) اعتناءَك بضبط ملتبس الأسماء أكثر من ملتبس المتون، إذ لا مدخل للمعني والذهن فيها ولو باعتناء شديد، وقد اتخذ في بلادنا ظِهريّا، وصار طلبه فريّا، فلا تجد أكثرهم من كتاب منه إلا عريّا، بل لا تجد عزماتهم عن طلب نفس الحديث إلا بريّا، والله المستعان على هذه المصيبة الفظيعة، وإليه الملتجى في إزالة هذه الوقيعة.

فتتبّعت ما اتفق لي من كتب القوم، وكم من الليالي سهرت من النوم، فلبسطها وكثرة الشواغل رأيت الهِمَم عنها قاصرة، ولقلة الدواعي وجدت الرغبات بها فاترة، مع قلة الاحتياج إلى مجرد الضبط في هذا الزمان، فامتدّت أعناق (٣) هذه الأوان إلى


(١) في نسخة: صنعة.
(٢) في نسخة: ليكُن.
(٣) زاد في نسخة: فضلاء.

<<  <   >  >>