ذاك؟ قالت: إنّي لفي غنمي، إذا غشيتني ظلمةٌ، ووجدت كحسِّ الرجل مع المرأة، فقد خشيت أن أكون قد حبلت.
حتى إذا دنت ولادتها، وضعت غلاماً أغضف له أذنان كأذني الكلب، فمكث فينا حتى إنه ليلعب مع الغلمان، إذا وثب وثبةً، وألقى إزاره، وصاح بأعلى صوته، وجعل يقول: يا ويله يا ويله، يا عوله يا عوله، يا ويل غَنْم، ويا ويل فهم، من قابس النار.
قال: فركبنا وأخذنا الأداة، وقلنا: ويلك ما ترى؟ قال: هل من جاريةٍ طامث؟ قلنا: ومن لنا بها؟ فقال شيخٌ منّا: هي والله عندي، عفيفة الأمّ. فقلنا: فعجلها؛ وأتى بالجارية، وطلع الجبل، وقال للجارية: اطرحي ثوبك واخرجي في وجوههم.
وقال للقوم: اتبعوا أثرها، وصاح برجل منّا يُقال له: أحمر بن حابس، فقال: يا أحمر بن حابس، عليك أول فارسٍ.
فحمل أحمر فطحن أول فارس فصرعه، وانهزموا وغنمناهم.
قال: فابتنينا عليه بيتاً وسميناه: ذا الخلصة. وكان لا يقول لنا شيئاً إلاّ كان كما يقول.
حتى إذا كان مبعثك يا رسول الله، قال لنا يوماً: يا معشر دوس نزلت بنو الحارث بن كعب فاركبوا، فركبنا، فقال لنا: أكدسوا الخيل كدساً، واحشوا القوم رمساً، القوهم غُدَيَّة، واشربوا الخمر عشيَّة.
قال: فلقيناهم فهزمونا وفضحونا، فرجعنا إليه فقلنا: ما حالك؟ وما الذي صنعت بنا؟ فنظرنا إليه وقد احمرت عيناه، وابيضَّت أُذناه، وانزمَّ غضباً، حتى كاد أن ينفطر، وقام. فركبنا واغتفرنا هذه له.
ومكثنا بعد ذلك حيناً، ثم دعانا، فقال: هل لكم في غزوة تهب لكم عِزاً، وتجعل لكم حرزاً، وتكون في أيديكم كنزاً؟ قلنا: ما أحوجنا إلى ذلك.
فقال: اركبوا، فركبنا، وقلنا: ما تقول؟ قال: بنو الحارث بن مسلمة، ثم قال: قفوا، فوقنا، ثم قال: عليكم بفهم، ثم قال: ليس لكم فيه دمٌ؛ عليكم بمضر، هم أرباب خيل ونعم. ثم قال: لا، رهط دريد الصِّمَّة. قليل العدَّة، وفيِّ الذِّمة، ثم قال: لا، ولكن عليك بكعب بن ربيعة، واشكرها صنيعة، عامر بن صعصعة، فلتكن بهم الوقيعة.