وليس هذا على العموم في كل حق، وإنما هو خاص في الحقوق التي جاز له سماع الدعوى فيها، إذا وجبت باعتراف مع مكنة ويسار، فيلزم المقر للموسر الخروج منها، ودفعها إلى مستحقها؛ لأن في تأخيره لها منكر مع القدوة هو منصوب لإزالته. وقاصرة عنها من وجهين:
أحدهما: قصورها عن سماع عموم الدعاوى الخارجة عن ظواهر المنكرات، من الدعاوى في العقود، والمعاملات، وسائر الحقوق والمطالبات، فلا يجوز له أن ينتدب لسماع الدعوى لها، وألا يتعرض للحكم فيها، لا في كثير الحقوق، ولا في قليلها، من درهم فما دونه، إلا أن يرد ذلك إليه بنص صريح، يزيد على إطلاق الحسبة، فيجوز ويصير بهذه الزيادة جامعاً بين قضاء وحسبة، فيراعي فيه أن يكون من أهل الاجتهاد؛ وإن اقتصر به على مطلق الحسبة، فالقضاة والحكام بالنظر في قليل ذلك وكثيره أحق.
الثاني: أنها مقصورة على الحقوق المعترف بها، فأما ما تداخله التجاحد والتناكر فلا يجوز النظر فيها، لأن الحكم فيها يقف على سماع بينة (واختلاف يمين، ولا يجوز للمحتسب أن يسمع بينة) على إثبات حق، ولا أن يحلف يميناً على نفي حق، والقضاة والحكام بسماع البينات، وإحلاف الخصوم أحق، وزائدة عليها من وجهين: