الشبهة الثالثة: إن حديث (لا تُشَدّ الرحال الا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدى هذا) لم يتناول النهي عن السفر لزيارة المقابر، كما لم يتناول النهي عن السفر إلى الأمكنة التي فيها الوالدان، والعلماء والمشايخ، والإخوان، أو بعض المقاصد، من الأمور الدنيوية المباحة.
الجواب: المسافر إلى طلب العلم أوالتجارة أو زيارة قريبه ليس مقصوده مكانًا معينًا إلا بالعرَض إذا عرف أن مقصوده فيه، (فهو لا يقصد المكان لذاته، بل يقصده لأن حاجته فيه، فلولا أن قريبه ـ مثلًا ـ في هذا المكان ما ذهب إلى هذا المكان أصلًا، ولولا أن العالم الفلاني يُدَرس العلم في المسجد الفلاني ـ مثلًا ـ ما سافر إلى هذا المسجد أصلًا، فهو لم يسافر لاعتقاده فضيلة للمسجد بل سافر لتلقي العلم)، ولو كان مقصوده فى غير هذا المكان لذهب إليه؛ فالسفر إلى مثل هذا لم يدخل فى الحديث باتفاق العلماء وإنما دخل فيه من يسافر لمكان معين لفضيلة ذلك بعينه.
زيارة المسجد النبوي والسلام على الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه
ليست زيارة مسجد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - واجبة، ولكن إذا أراد المسلم السفر إلى المدينة المنورة من أجل الصلاة في مسجده - صلى الله عليه وآله وسلم - فذلك سنة، وإذا دخلت مسجده فابدأ بالصلاة ثم ائت قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقل:«السلام عليك أيها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ورحمة الله وبركاته، صلى الله عليك وعلى آلك وأصحابك»، وأكثر من الصلاة والسلام عليه؛ لما ثبت من قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» ثم سلِّم على أبي بكر وعمر، وترَضّ عنهما، ولا تتمسح بالقبر، ولا تدعُ عنده، بل انصرف وادعُ الله حيث شئت من المسجد وغيره، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال:«لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى» رواه البخاري ومسلم.
* فزيارة قبر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ليست واجبة، بل هي سنة بالنسبة لمن لم يتوقف ذلك منه على سفر كزيارة سائر قبور المسلمين، وذلك للعبرة والاتعاظ وتذكر الآخرة بزيارتها، وقد زار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - القبور وحث على زيارتها لذلك لا للتبرك بها ولا لسؤال من فيها من الموتى قضاء الحاجات وتفريج الكربات كما يفعل ذلك كثير من المبتدعة رجالًا ونساءً.
أما إذا توقفت زيارة قبر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أو غيره على سفر فلا يجوز ذلك من أجلها؛ لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال:«لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى» رواه البخاري ومسلم.
روى عبدالرزاق في مصنفه وابن أبي شيبة أن علي بن الحُسين - رضي الله عنه - رأى رجلاً يأتي فرجة كانت عند قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيدخل فيها فيدعو، فنهاه وقال:«ألا أحدثكم حديثاً سمعته من أبي عن جدي ـ يعني علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ـ عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «لا تتخذوا قبري عيداً ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً وسلموا على فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم» قال السخاوي: «وهو حديث حسن»