أنه لا يعلم عن أحد من الصحابة أنه كان يزور قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهي رواية ثابتة صحيحة لا غبار عليها.
وهل هذا الأعرابي أفقه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأعلم بالقرآن منهم، وأحرص على تطبيقه منهم؟ كيف لم يأت أصحاب محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى قبره، مستغفرين من ذنوبهم، مستشهدين بهذه الآية؟
الشبهة الرابعة: حديث استسقاء عمر بالعباس - رضي الله عنهما -: يحتجون على جواز التوسل بجاه الأشخاص وحرمتهم وحقهم بحديث أنس - رضي الله عنه -: «أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان إذا قَحَطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا، فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. قال: فيسقون». (رواه البخاري)
فيفهمون من هذا الحديث أنّ توسل عمر - رضي الله عنه - إنما كان بجاه العباس - رضي الله عنه -، ومكانته عند الله سبحانه، وأن توسله كأنه مجرد ذِكْر منه للعباس في دعائه، وطلب منه لله أن يسقيهم من أجله، وقد أقره الصحابة على ذلك، فأفاد ـ بزعمهم ـ ما يدعون.
وأما سبب عدول عمر - رضي الله عنه - عن التوسل بالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بزعمهم ـ وتوسله بدلًا منه بالعباس - رضي الله عنه -، فقالوا: إنما كان لبيان جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل ليس غير.
وفهمهم هذا خاطىء، وتفسيرهم هذا مردود من وجوه كثيرة أهمها:
١ - إن القواعد المهمة في الشريعة الإسلامية أن النصوص الشرعية يفسر بعضها بعضًا، ولا يفهم شيء منها في موضوع ما بمعزل عن بقية النصوص الواردة فيه. وبناء على ذلك فحديث توسل عمر السابق إنما يُفهم على ضوء ما ثبت من الروايات والأحاديث الواردة في التوسل بعد جمعها وتحقيقها، ونحن والمخالفون متفقون على أن في كلام عمر:(كنا نتوسل إليك بنبينا .. وإنا نتوسل إليك بعم نبينا) شيئًا محذوفًا، لا بد له من تقدير، وهذا التقدير إما أن يكون:(كنا نتوسل بـ (جاه) نبينا، وإنا نتوسل إليك بـ (جاه) عم نبينا) على رأيهم هم، أو يكون:(كنا نتوسل إليك بـ (دعاء) نبينا، وإنا