وذكره الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية)(٧/ ١٣١) ولفظه: فجعل ينادي: يا سارية الجبل، يا سارية الجبل ثلاثًا. ثم قدم رسول الجيش، فسأله عمر، فقال: يا أمير المؤمنين هُزِمنا، فبينما نحن كذلك إذ سمعنا مناديًا: يا سارية الجبل، ثلاثًا، فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله. قال: فقيل لعمر: إنك كنت تصيح بذلك».ثم قال الحافظ ابن كثير:«وهذا إسناد جيد حسن».
قال الشيخ الألباني: «هو كما قال. ومما لا شك فيه أن النداء المذكور إنما كان إلهامًا من الله تعالى لعمر وليس ذلك بغريب عنه، فإنه (محدَّث) كما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولكن ليس فيه أن عمر كُشِف له حال الجيش، وأنه رآهم رأي العين.
فاستدلال بعض المتصوفة بذلك على ما يزعمونه من الكشف للأولياء وعلى إمكان اطلاعهم على ما في القلوب من أبطل الباطل، كيف لا وذلك من صفات رب العالمين المنفرد بعلم الغيب والاطلاع على ما في الصدور. وليت شعري كيف يزعم هؤلاء ذلك الزعم الباطل والله - عز وجل - يقول في كتابه {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ}(الجن:٢٦ - ٢٧). فهل يعتقدون أن أولئك الأولياء رسل من رسل الله حتى يصح أن يقال إنهم يطلعون على الغيب بإطلاع الله إياهم!! سبحانك هذا بهتان عظيم.
على أنه لو صح تسمية ما وقع لعمر - رضي الله عنه - كشفًا، فهو من الأمور الخارقة للعادة التي قد تقع من الكافر أيضًا، فليس مجرد صدور مثله بالذي يدل على إيمان الذي صدر منه فضلًا على أنه يدل على ولايته ولذلك يقول العلماء:«إن الخارق للعادة إن صدر من مسلم فهو كرامة وإلا فهو استدراج»، ويضربون على هذا مثل الخوارق التي تقع على يد الدجال الأكبر في آخر الزمان كقوله للسماء: أمطري، فتمطر وللأرض: أنبتي نباتك فتنبت، وغير ذلك مما جاءت به الأحاديث الصحيحة.
ومن الأمثلة الحديثة على ذلك ما قرأته اليوم من عدد (أغسطس) من السنة السادسة من مجلة (المختار) تحت عنوان: (هذا العالم المملوء بالألغاز وراء الحواس الخمس)